التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون 82 وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين 83 وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين 84 فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين 85 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 86}

صفحة 2055 - الجزء 3

  والثاني: أنهم المتمسكون بالنصرانية، عن أبي علي وأبي مسلم وجماعة، ثم اختلفوا، فقيل: لأنهم يسمعون الحق ولا يتكبرون، واليهود لحسدهم لا يسمعون، وقيل: النصارى إذا أسلموا صفت قلوبهم عن عداوة المسلمين، وحسن إسلامهم، فكأنه قيل: هم أقل عداوة؛ ولذلك قال: «أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً» قال القاضي: وهو أقرب من الأول.

  «ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ» من النصارى «قِسِّيسِينَ» قيل عُبَّادًا، عن ابن زيد، وقيل: علماء، عن قطرب، وقيل: لما اختلف النصارى في دينهم وَأمْرِ عيسى ثبت قسيس عالم من علمائهم على الحق، فمن سلك سبيله فهو قسيس منسوب إليه عن عروة بن الزبير «وَرُهْبَانًا» قيل: خَائِفًا وهم أصحاب الصوامع «وَأَنَّهُمْ» قيل: الكناية إلى القسيسين والرهبان، وقيل: إلى كل النصارى «لاَ يَسْتَكْبِرُونَ» عن اتباع الحق والإذعان له.

  ومتى قيل: جعل العلة في قرب مودة النصارى أن منهم قسيسين ورهبانًا فما وجه ذلك؟

  فجوابنا: فيه قولان:

  الأول: أن الزهاد والعلماء إذا لم ينفروا العوام عن المسلمين وقبول الحق كانوا أقرب، وأحبار اليهود لما نَفَّرُوا [كانوا] أشد عداوة.

  الثاني: أن لقاء النصارى لهم بعدما أسلموا يقربهم إلى الإسلام.

  «وَإِذَا سَمِعُوا» قيل: هم من وصفهم بأنهم أقرب مودة، وهذا على قول من حمل الآية على أنها فيمن آمن منهم، ومن قال بالقول الثاني قال: إنه يرجع إلى بعضهم، وقيل: يرجع إلى القسيسين عن أبي علي وأبي مسلم «مَا أُنزِلَ» يعني القرآن «إِلَى