التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون 82 وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين 83 وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين 84 فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين 85 والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم 86}

صفحة 2056 - الجزء 3

  الرَّسُولِ» يعني محمدًا ÷، و «تَرَى» يا محمد أو يا أيها المؤمن «أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ» يعني يسيل الدمع عن امتلاء «مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ» أي لمعرفتهم بأن المتلوَّ عليهم كلامُ اللَّه، وأنه حق «يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا» صدقنا أنه كلامك أنزلته على نبيك «فَاكْتُبْنَا» قيل: فاجعلنا معهم بمنزلة ما قد كتب ودوِّن، وقيل: فاكتبنا معهم في اللوح المحفوظ «مَعَ الشَّاهِدِينَ» وقيل: مع محمد وأمته الَّذِينَ يشهدون بالحق، عن ابن عباس وابن جريج، وقيل: مع الَّذِينَ يشهدون بالإيمان وأنك واحدٌ، عن الحسن، وقيل: الَّذِينَ يشهدون بتصديق نبيك وكتابك، عن أبي علي، وقيل: آمنا بكتابك «فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ» في الأرض بالحق «وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ» يعني لأي عذر لا نؤمن، وقيل: هو جواب لهم لمن قال: لم آمنتم؟ عن الزجاج، وقيل: إنهم قدروا ذلك في أنفسهم، كأن سائلاً سألهم عنه «بِاللَّهِ» بعدله وتوحيده «وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقّ» يعني جاء به الملك، وقيل: جاء بمعنى حدث؛ لأن المجيء في هذا الموضع توسيع؛ لأنه من صفات الأجسام دون الأعراض إلا أنه كثر حتى صار كالحقيقة، والحق هو القرآن والإسلام «وَنَطْمَعُ» أي نرجو ونؤمل، وإنما قالوا: نطمع؛ لأنهم لا يدرون ما يفعلون في باقي عمرهم «أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا» يعني في الجنة لإيماننا بالحق، فحذف ذكر الجنة لأن الكلام يدل عليه «مَعَ الْقَوْمِ الصالحينَ» المؤمنين من أمة محمد، وقيل: الأنبياء وأتباعهم، عن الأصم «فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ» أي جازاهم «بِمَا قَالُوا» بما تقدم ذكره «جَنَّاتٍ» بساتين «تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ» أي يجري الماء في الأنهار من تحت الأبنية والأشجار «خَالِدينَ فِيهَا» أي دائمين لا ينقطع، ولا ينقطعون «وَذَلِكَ» يعني ما تقدم من الجزاء «جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ» أي ثواب الَّذِينَ يفعلون الإحسان، ثم عقب الوعد بذكر الوعيد على عادته سبحانه فقال: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا» هذا وإن اتصل بذكر النصارى وأن مَنْ كَفَرَ منهم يلحق به الوعيد فاللفظ عام في جميع الكفار «وَكَذَّبُوا» بالحق، وإنما جمع بين الكفر والتكذيب؛ لأن اليهود والنصارى جمعوا بينهما والآية نزلت فيهم «بِآيَاتِنَا» حججنا، وهو القرآن وغيره «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ» أي ملازمون له دائمون فيه؛ يعني في نار جهنم.