قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون 90 إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون 91}
  وتدل إضافته تعالى العداوة والبغضاء إلى الشيطان أنه ليس بخلق لله تعالى.
  ويدل إضافة الصد إليه أنه تعالى لم يصد ولم يرد الصَّدَّ.
  وعلى قولهم: جميع ما أضيف إلى العبد أو الشيطان فهو مضاف إلى اللَّه تعالى من حيث خلقه وأراده وخلق القدرة الموجبة له، ومنع مِنْ ضِدِّه، يتعالى اللَّه عن ذلك.
  فأما الخمر فالأشربة على وجوه:
  أولها: المعني بالخمر عصير العنب الذي غلا واشتد، وقذف بالزبد، فهذا خمر اتفقوا على تحريمه، وعُلِمَ من دين الرسول ÷ ضرورة، ويكفر مستحله، ويفسق شاربه، ويستوي في جميع هذه الأحكام كثيره وقليله، ويتعلق التحريم بعينه لا بمعنى فيه، فإن لم يقذف بالزبد فليس بخمر عند أبي حنيفة، وهو حلال، وهو خمر عند أبي يوسف ومحمد والشافعي كالأول، فإن طبخ العصير حتى ذهب ثلثاه، وبقي ثلثه يحل شربه وبيعه عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: لا يحل، فإن ذهب النصف أو أكثر، ولم يذهب الثلثان جاز البيع، ولم يحل الشراب، وإن ذهب أقل من النصف لم يجز البيع، وإن طبخ بعد ما صار خمرًا لا يحل أبدًا.
  فأمَّا النوع الثاني: وهو التمري والزبيبي، فإن النيء منه حرام كحرمة الخمر، وفي جواز بيعه روايتان عن أبي حنيفة، فإن طبخ قبل أَنِ اشتد وغلا أدنى طبخة حَلَّ، وقال محمد: لا يحل.
  وأما النوع الثالث: سائر الأشربة كالمتخذ من الفانِيدِ والسكر والعسل والذرة إذا اشتد فشربه حلال عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد: هذه الأشربة كلها حرام، وقال مالك والشافعي: ما أسكر كثيره فقليله حرام، وقال بشر المريسي وابن عليَّة: ما عدا المتفق عليه في الخمر مباح كله.