التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم 94 ياأيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام 95}

صفحة 2087 - الجزء 3

  تجاوز الحد «بَعْدَ ذَلِكَ» بعد سماع النهي «فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ» موجع وهو عذاب النار، ثم ذكر عقيب التحريم ما يجب بقتله الجزاء، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيدَ» أي امتنعوا عن قتل الصيد، قيل: الصيد ما توحش أكِلَ أو لم يؤكل، وهو قول أهل العراق. واستدلوا بقول أمير المؤمنين #:

  صيدُ الملوكِ أرانبٌ وثعالبٌ ... وإذا ركبتُ فصيديَ الأبطالُ

  وقيل: هو ما يؤكل لحمه عن الشافعي «وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» قال أبو علي: يحتمل وأنتم محرمون بالحج، ويحتمل: وقد دخلتم الحرم، وقيل: هما مراد بالآية، وقيل: المراد المحرم بحج أو عمرة، «وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا» قيل: الذي يتعمد القتل وينسى الإحرام فعليه الجزاء، فإذا تعمد قتله وذكر إحرامه فلا جزاء فيه، وأمره إلى اللَّه، عن الحسن وطاووس ومجاهد وابن جريج وإبراهيم وابن زيد، وقيل الذاكر لإحرامه مع تعمد قتله، عن ابن عباس وعطاء والزهري، فيحكم عليه بالجزاء في الخطأ والعمد، وهو قول أكثر الفقهاء، والمروي عن عمر، وقيل: الكفارة تجب في العمد دون الخطأ، وهو قول طاووس وعطاء ومجاهد، وهو مذهب يحيى الهادي «فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» أي عليه الجزاء من النعم مثل ما قتل من الصيد.

  واختلفوا في الجزاء على أقوال:

  الأول: أن المعتبر المِثْلُ من طريق الخِلْقةِ ففي النعامة بدنة، وهي أشبه الأشياء بها، وفي الظبي شاة، وفي حمار الوحش بقرة، عن ابن عباس والسدي ومجاهد، وعطاء والضحاك والحسن، وهو مذهب محمد بن الحسن والشافعي ويحيى الهادي.

  الثاني: الاعتبار بالقيمة، فيقوم بقيمة عدل، فما بلغ قيمته في ذلك الموضع فهو بالخيار، إن شاء اشترى به هدْيًا يهدى إلى الكعبة، وإن شاء اشترى طعامًا، وإن شاء صام، عن إبراهيم وأبي حنيفة وأبي يوسف.