التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون 105}

صفحة 2115 - الجزء 3

  تعالى أن الواجب في حق كل أحد مراعاة نفسه دون مراعاة طريق السلف، وأنه لا يضر ضلالهم، فقال سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» صدَّقوا، أو أيها المؤمنون «عَلَيكُمْ أَنفُسَكُمْ» أي احفظوا أنفسكم بطاعة اللَّه، واحرسوها عن عقاب اللَّه، وقيل: عليكم منافع أنفسكم «لاَ يَضُرُّكُم مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُم» أي لا يضيركم ضلال الكفار إذا كنتم أنتم على هداية؛ لأن وبال ضلالهم عليهم، وعاقبة هدايتكم لكم، وقيل: لا يضركم ضلال آبائكم إذا كنتم مهتدين، وكانوا في ابتداء الإسلام يكرهون أن يقال لهم: أنتم أولاد الكفرة، وقيل: كانوا يغتمون لعشائرهم لما ماتوا على الكفر، فنهوا عن ذلك، وقيل: كرهوا أخذ الجزية من الكفار، فبين أنه لا يضرهم كفر أولئك، وأباح أخذ الجزية، وقيل: لا يضركم من ضل إذا اهتديتم، ولا تأمروا بمعروف ولا تنهوا عن منكر إذا كان حال تقية وخوف دون حال الإمكان، وقيل: لا تضركم ضلالة إذا اهتديتم وأمرتم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر، عن حذيفة وقيل: لا يضركم إذا أمرتم فلم يقبل منكم عن ابن مسعود «إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ» أي إلى حكمه وجزائه مصيركم «جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ» يخبركم أي يجازيكم «بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» أي: بأعمالكم.

  · الأحكام: تدل الآية على أن أحدًا لا يؤخذ بذنب غيره، فيبطل قول مَنْ خالف في تعذيب الأطفال ويزعم أنه يعذب بكفر أبيه، ويبطل قول من يزعم أن الميت يعذب ببكاء أهله.

  ويبطل قول من يزعم أن ذنب أحد يحمل على أحد.

  وتدل على بطلان قول أصحاب المعارف.

  وتدل على إثبات المعاد، وقراءة الصحف؛ لأن قوله: «فَيُنَبُكُم» يدل ظاهره عليه.

  ومتى قيل: هل تدل الآية على أن الأمر بالمعروف والدعاء إلى الدين لا يجب؟