قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون 51}
  ويقال: هل في الكلام حذف؟
  قلنا: لا بد منه، إما انقضاء أربعين ليلة، أو تمام أربعين ليلة، على ما قاله الأخفش، أو إقامة أربعين ليلة، أو غيبته عن قومه، على ما قاله بعضهم، «ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ» قيل: اتخذتموه إلهًا وعبدتموه، وذلك أنهم عبدوا العجل بعد موسى لما قال لهم السامري: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} أي ترك إلهه، وذهب ناسيًا، وقيل: فنسي أي. ترك ما يجب عليه من عبادة العجل.
  ويُقال: ما سببا عبادتهم العجل؟
  قلنا: فيه قولان:
  أحدهما: أن السامري كان من قوم يعبدون البقر، فكان حب عبادة البقر في نفسه، فكان منافقًا، فلما خرج موسى إلى الطور، قال هارون لقومه: قد حملتم أوزارًا من زينة القوم فتطهروا منها، وأوقدوا نارًا فقذفوا ما كان معهم فيها، ورأى السامري أثر فرس جبريل فأخذ ترابًا من أثر حافره، فجاء إلى هارون وقال: أقذف ما في يدي؟
  قال: نعم، وهو لا يدري ما في يده، وكان اللَّه تعالى أجرى العادة بأن يحيي ما ألقي عليه ذلك التراب، فألقى السامري، وقال: كن عجلاً جسدًا له خوار، فكان للبلاء والفتنة، فقال: هذا إلهكم وإله موسى، وقيل: هذا لا يجوز لأنه إغراء بالمعصية، ولأنه يشبه المعجز.
  والقول الثاني: أنه صاغ عجلاً له خوار كما تفعل البوقات ونحوه، وكان فيه خروق إذا دخلها الريح يخرج منه صوت، ودعاهم إلى عبادته فأجابوه وعبدوه، عن أبي علي.
  والعجل هو ولد البقرة، وقيل: سمي البقر عجلاً من التعجيل؛ لأنه كان في قصر من المدة كالعَجْلِ في الشيء، وقيل: لأنهم عجلوا فاتخذوه قبل أن يأتيهم موسى.
  «مِنْ بَعْدِهِ» قد بيناه، «وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ» لأنفسكم بعبادة العجل، وإنما يوجه الذم عليهم بما فعله أسلافهم لاقتدائهم بهم ورضاهم بما كانوا عليه، وسلوك طريقتهم في مخالفة أمر اللَّه تعالى.