قوله تعالى: {وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون 3 وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين 4 فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون 5}
  ويُقال: ما الفرق بين (من) الأولى والثانية في قوله: «وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ»؟
  قلنا: الأولى: لاستغراق الجنس الذي يقع في النفي، والثانية للتبعيض.
  «معرضين» خبر (كان).
  · المعنى: ثم عطف على ما تقدم بذكر صفاته وتكذيبهم والوعيد لهم، فقال سبحانه: «وَهُوَ اللَّه» قيل: في تقدير الآية وجوه ثلاثة:
  الأول: أنه اللَّه مدبر السماوات والأرض، وعالم سركم وجهركم، كما يقال: فلان في أمر كذا؛ أي يدبره.
  الثاني: وهو اللَّه كلام تام؛ أي يحق له العبادة، ثم ابتدأ فقال: «فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ».
  الثالث: على التقديم والتأخير، وهو اللَّه يعلم سركم وجهركم «فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ»، قيل: مدبرهما، وقيل: حافظهما، وقيل: القادر عليهما، العالم بهما، ولا يجوز أن يقال: ذاته فيهما؛ لأنه ليس بجسم، ولا يجوز أن يكون في موضع بالتمكن، وليس بِعَرَضٍ، فلا يجوز أن يكون في محل بالحلول، يبين ذلك أن الآية وردت تمدحًا، ولا تَمَدُّحَ بكونه في السماء والأرض، فالتمدح بكونه إلهًا فيهما «يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ» يعني الخفي المكتوم والظاهر المكشوف «وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ» أي يعلم ما يعملون، وما يستحق عليه من الجزاء، وقيل: يعلم نياتكم وأقوالكم وأعمالكم، والكسب العمل، عن أبي مسلم «وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ» أي من حجة «مِنْ آيَاتِ رَبّهِمْ» من حججه، كدلائل التوحيد ودلائل النبوات، كانشقاق القمر، ونزول القرآن، وسائر المعجزات «إِلَّا كَانُوا عَنْهَا» عن الآيات «مُعْرِضِينَ» أي ينصرفون عنها ولا ينظرون فيها «فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ» أي بجميع الحق، وقيل: بالقرآن، وقيل: بمحمدة «لَمَّا جَاءَهُمْ»