التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون 12 وله ما سكن في الليل والنهار وهو السميع العليم 13}

صفحة 2172 - الجزء 3

  ومتى قيل: كيف تدل الآية على حدث العالم وإثبات الصانع وصفاته على ما ذكرتم؟

  قلنا: قوله: «وله» يدل على أنه الصانع، و «ما سكن» يدل على حدث العالم، و «السميع» يدل علي كونه حيًّا مدركًا، و «العليم» على كونه عالمًا.

  ومتى قيل: كيف وجه الاستدلال؟

  قلنا: لأن كل جسم لا يخلو من حركة أو سكون، وهما محدثان، وما لم يتقدم المُحْدَث مُحْدَث، فإذا ثبت حدوث الأجسام فلا بد لها من محدث كسائر المحدثات، فعلم أن له صانعًا، وتعلقه بالمقدور يحيل عدمه، فثبت وجوده، فإذا كنا نحن لا نقدر على فعلها؛ لأنا قادرون بقدرة، كذلك كل جسم، فلا بد من صانع، إذا ثبت أن كل محدَث لا بد له من محدِث، فإذا ثبت أنه الصانع، والصنع لا يوجد من غير قادر ثبت أنه قادر، ونظام فعله يدل على كونه عالمًا، والعالم لا يكون إلا حيًّا، وكل حي لا آفة به مدرك للمدركات، ولو كان محدَثًا لشارك المحدثات في الحاجة إلى محدِث، فثبت أنه قديم، ولو كان يشبه الموجودات لما صح منه إيجاد الأجسام، فيعلم أنه لا يشبه الأجسام والأعراض، فإذا انتفى كونه جسمًا انتفت الحاجة والمكان والأعضاء، وما يختص به الأجسام والأعراض، فإذا انتفى الحاجة والجهل لم يبق داع إلى فعل القبيح، فكل أفعاله حسنة، وكل قبيح منتف عنه، فلا يخلق الظلم ولا يريده، وإذا كلف يزيح العلة، فيعلم أن الاستطاعة قبل الفعل، وإذا أوعد ووعد لا يجوز عليه الكذب، فلا بد أن يفعل كذلك، وبالتكليف يضمن الثواب، فوجب عليه لإيجابه على نفسه، وإذا كلف وجب إزاحة العلة بالتمكين والبيان والإلطاف، فقد يكون من لطفه البعثة والشرائع فلا بد أن يبعث ويبين الشرائع، ففي الآية تنبيه على أصل إذا حققته حصل لك معرفة التوحيد والعدل وجميع ما يلزم المكلف، ولهذا قال ÷: «أوتيت جوامع الكلم» فسبحانه سبحانه.