التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير 17 وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير 18}

صفحة 2178 - الجزء 3

  مس جن، والممسوس من المياه ما نالته الأيدي، كأنه مسته الأيدي، والمس من صفات الأجسام، فلا يجوز عليه تعالى، ومعنى يمسسك: يصبك وينزل بك.

  والكشف: مصدر كشفت الثوب وغيرَه أَكْشفُهُ.

  والقهر: القدرة على الغلبة، والقاهر: الغالب، وقهر: غلب، وأقهره: صيره في حال ذل، قهره قهرًا فهو مقهور أي مغلوب، ويوصف اللَّه تعالى بأنه قاهر لم يَزَلْ، بمعنى قادر، وهو تعالى قادر لم يزل لذاته على ما لا نهاية له من الأعداد من كل جنس.

  والخبر: أصله من الخبرة، وهو المعرفة بما يصح أن يخبر له. والخبير: العالم.

  · الإعراب: يقال: لم جاز الجواب بالفاء وإنما أصلها العطف؟

  قلنا: لأن حالها في الجواب كحالها في العطف في أنها نزلت الثاني بعد الأول، وهكذا يحسن التصريف للكلمة على طريقة الأصول الدائرة.

  ومحل «بضر» نصب، والعامل فيه: «يمسسك».

  · المعنى: لما دعا اللَّه تعالى فيما تقدم إلى عبادته، ونهى عن عبادة غيره بَيَّنَ أنه المالك للضر والنفع والنعمة والنقمة مرغبًا في الانقطاع إليه، فقال سبحانه وتعالى: «وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ» أي يُنْزِل بك ويحل، وقيل: الخطاب للنبي ÷ والمراد العموم، وقيل: أراد إن يمسسك أيها السامع أو أيها الإنسان «بِضُرٍّ» أي بمصيبة في نفس أو مال، كنقص من الأموال والأنفس والأمراض والفقر ونحوها «فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ» أي لا مزيل له غير اللَّه.

  ومتى قيل: إذا كان في الضر ما يزيله غيره فكيف أطلق؟

  قلنا: فيه أقوال: قيل: لأنه ينكشف إما به، أو بسبب من جهته أو بلطفه، أو بأمره أو بهدايته، وقيل: أراد ضرًّا يريد إدامته، ولا يقدر على كشفه أحد، وقيل: أراد عموم المضار، وهذا لا يقدر على كشفه غيره تعالى. «وَإِنْ» يُرِدْكَ «بِخَيْرٍ» قيل: فإن