التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين 23 انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون 24}

صفحة 2190 - الجزء 3

  شيء، فصاروا كاذبين عليها من جهة الحقيقة، لا من جهة الخبر؛ إذ لو كانوا كاذبين كانوا كذبوا على الأصنام لا على أنفسهم «وَضَلَّ عَنهُمْ» قيل: هلك، وقيل: ذهب، عن أبي مسلم «مَا كَانُوا يَفتَرُونَ» أي يكذبون، قيل: يمترون بعبادته من الأصنام والأوثان، فلم تغن عنهم شيئًا، عن الحسن وأبي علي، وقيل: عزب عليهم افتراؤهم للحيرة التي لحقتهم.

  ويُقال: لم لا يجوز أن ينسوا أحوال الدنيا؟

  قلنا: لأنهم عند الإعادة تعود جميع معلوماتهم؛ ولذلك صح أن يُسأل، وصح أن يعترف، فلذلك قال: {وَلَا يكتمونَ اللَّهَ حديثًا} وإنما يصح النسيان في الأمور اليسيرة، فأما في الأمور العظام فلا يقع فيها النسيان، فمن اعتقد مذهبًا طول عمره، وتعصبوا لأجلها، وقاتلوا عليها، فلا يجوز على خلق عظيم أن ينسوها، وبهذا القول يبطل التناسخ إلا أن لهم أن يقولوا: الآخرة ليست بدار تكليف وعبادة، والنسيان فعل اللَّه تعالى، إلا أن الصحيح أن يقال: السمع دل على أنهم يذكرون جميع أحوال الدنيا.

  · الأحكام: تدل الآية على أن في الآخرة [تنجلي] الشُّبَه؛ ويعرفون الحق ضرورة، وتدل على أن الاعتذار لا ينفع، ولا يقبل.

  واختلفوا هل يجوز في الآخرة أن يكذبوا؟ على ثلاثة أقوال:

  فقال مشايخنا: لا يجوز لأنها ليست بدار التكليف، وكلهم ملجؤون إلى فعل الحسن وترك القبيح.

  وقال بعضهم: يجوز ذلك لما يلحقهم من الدهش والحيرة في القيامة، فإذا استقروا في الجنة أو النار فحينئذ لا يجوز ذلك عليهم، وبه قال أبو بكر أحمد بن علي الإخشيد وأصحابه.