التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 30 قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون 31 وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 32}

صفحة 2210 - الجزء 3

  علامة لأعمال الكافر، كما تقول في وزن الأعمال فذلك يصح، وإلا لم يصح، وقيل: هو توسع، وأراد أن آثامهم تشق وتثقل عليهم، كالحمل الذي يحمل الإنسان على ظهره، فيشق عليه، فشبه ذلك به، عن أبي علي، وهذا هو الوجه، وقيل: يحملون جزاء أوزارهم، حكاه الأصم، وهذا أيضًا توسع؛ لأنه ليس بشيء محمول، وإنما هو عقاب والآلام تحل جميع بدنه، والمراد أنه يشق عليه ذلك «أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ» أي بئس ما يحملون ويعملون.

  ثم رد عليهم قولهم: ما هي إلا حياتنا الدنيا، فقال سبحانه: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ» يعني باطلاً وغرورًا إذا لم يجعل ذلك طريقًا إلى الآخرة، وإنما أراد بذلك عمل الدنيا؛ لأن نفس الدنيا وحياتها فِعْلُ اللَّه تعالى، ولا توصف باللعب، والطاعات وما فيه رضا اللَّه من عمل الآخرة، وليس بلعب ولهو، ولأن اللعب ما لا يوجب نفعًا، أو يعقب ضرًا، وهذا إنما يتصور في المعاصي وأعمال الدنيا، وقيل: معناه: ما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو عن الحسن «وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ» قيل: الجنة، وقيل: نفع الدار الآخرة، وسميت آخرة لتأخرها عن الدنيا «خَيرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ» أي أفضل للمتقين؛ لأنها تنال بالتقوى فهو خير لهم دون الكفار والعصاة لأنهم يعاقبون فيها، وإنما خص المتقين؛ لأن لهم معظم المنافع من الثواب والعوض، والتفضل، ومن في الجنة من غيرهم تبع لهم، ولأن الغرض ذكر أحوال المتقين «أَفَلَا تَعْقِلُونَ» قيل: أفلا تستعملون عقولكم بالتفكر فيما ذكر لكم كما تقول للرجل: أفلا تعقل، وقيل: تبكيت على لفظ الاستفهام؛ أي: لو تفكروا لعقلوا، عن أبي مسلم، وقيل: أفلا تعقلون أن الآخرة خير من الدنيا، وهو توبيخ، وقيل: أفلا تعقلون جهلهم بهذه الأحوال في الدارين، وفيه تسلية للفقراء بما حرموا من الدنيا، وتقريع للأغنياء حيث ركنوا إليها، ولم يعملوا لغيرها.

  · الأحكام: الآية تدل على بطلان قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والاستطاعة من وجوه: لأن