قوله تعالى: {ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 30 قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا ياحسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون 31 وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون 32}
  وقالوا: «بَلَي» هو حق «وَرَبِّنَا» قَسَمٌ ذَكَرُوهُ أكدوا اعترافهم به، عن أبي مسلم «قَال» اللَّه تعالى، أو الملَك بأمره «فَذُوقُوا الْعَذَابَ» إنما قال: ذوقوا لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في شدة الإحساس «بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ» أي جزاء كفركم «قَدْ خَسِرَ» قيل: هلك، وقيل: بخس حظه ونقصه، وقيل: خسرت صفقته؛ أي غبن حيث باع سلامتها بهلاكها ونعيم الحياة الدنيا مع عذاب الأبد، «الَّذِينَ كَذَّبُوا» يعني هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أنكروا البعث وقالوا: ما هي إلا حياتنا الدنيا «بِلِقَاءِ اللَّه» أي: بالبعث بعد الموت، وهو توسع؛ لأن في الدنيا تنفذ أحكام الأمراء والملوك، وفي القيامة لا ينفذ إلا حكمه وأمره، فكأنه لا يلقى إلا اللَّه تعالى، فذكر لقاءه وأراد لقاء تلك الأمور، وقيل: كانوا بلقاء اللَّه إياهم على ما هم عليه من الكفر والعصيان، وقيل: كذبوا بلقاء موعود اللَّه، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، كقوله: {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ} فليس اللقاء من الرؤية في شيء فلا تعلق للمشبهة بالآية «حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ» القيامة «بَغْتَةً» أي فجأة من غير أن علموا وقتها، «قَالُوا» عند معاينة القيامة وأهوالها، ومنازل أهل الثواب، وأهل العقاب وسائر أحوالهم «يَا حَسْرَتَنَا» يعني تحسروا وندموا على ما فاتهم «عَلَى مَا فَرطنَا» قصرنا «فِيهَا» قيل: في الدنيا فلم نعمل للآخرة، وقيل: في الساعة فلم نقدم لها عملاً صالحًا، وقيل: في الاستعداد ليوم القيامة، وقيل: في عمل الجنة «وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ» آثامهم «عَلَى ظُهُورِهِمْ» قيل: معناه: أن أوزارهم لا تزايلهم يعني جزاءها، كما يقال: شخصك نصب عيني، عن الزجاج، وقيل: المؤمن إذا خرج من قبره جاء عمله، فيركبه المؤمن، فذلك قوله تعالى: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا} والكافر إذا خرج من قبره جاء عمله فيركب ظهر الكافر، فذلك قوله تعالى: «يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ» ولا شبهة أن الأعمال أعراض قد عدمت، ولا يجوز عليها الإعادة، والحمل والركوب إنما يصح على الجواهر، فإن أراد أن اللَّه تعالى يجعل جسمًا علامة لأعمال المؤمن، وجسمًا