التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون 33 ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين 34}

صفحة 2215 - الجزء 3

  وقد اختلفوا في معنى الآية.

  فأما على قراءة من قرأ بالتشديد، فقيل: لا يكذبونك بحجة، ولكن بغير حجة يجحدون آيات اللَّه، عن أبي [علي:] أنه قال: لا يُعْتَدُّ بتكذيبهم؛ لأنه لا حقيقة له، فجاء على النفي، كما جاء {وَمَا رَمَيتَ إِذْ رَمَيتَ}.

  وقال محمد بن كعب: لا يبطلون ما في يديك، وهذا قريب مما قاله أبو علي، وقيل: هذا في المعاندين، عن أبي صالح وقتادة والسدي والأصم، قال الأصم: وهم العلماء، كأنه قيل: لا يكذبونك؛ لأنهم يعلمون صدقك، ولكن مع العلم يجحدون آيات اللَّه، وقيل: إنهم لا يكذبونك ولكن يكذبون ما جئت به، عن ناجية بن كعب، أي لا يقولون إنك تعمدت الكذب؛ لأنهم يعرفونك بالصدق وعن قريب منه قال بعضهم: فإنهم لا يكذبونك ولكن يكذبوني وعيدًا لهم كما يقال: هو لا يفعل ذلك برسولي إنما يفعله بي، وقيل: لا يكذبونك مع المعجزات الدالة على صدقك بل يكذبون أنفسهم في ما يجحدون من الآيات، وقيل: لا يكذبونك أي لا يخصونك بالكذب، لكن يجحدون جميع آيات اللَّه، والإكذاب والتكذيب بمعنى، عن أبي مسلم، وهذا أقرب ما قيل فيه.

  فأما على قراءة من قرأ بالتخفيف، فقيل: معناهما واحد، وقيل: «لا يكذبونك» لا يجدونك كاذبا، ولكنهم يعرفون آيات اللَّه كقولهم: سألناهم فما أبخلناهم أي ما وجدناهم بخلاء، وقيل: لا ينسبونك إلى الكذب، يقال: أَكْذَبَهُ إذا نسبه إلى الكذب، وأكفره إذا نسبه إلى الكفر، وأضله إذا نسبه إلى الضلال، ثم زاده في التسلي بما حثه على التأسي بالأنبياء قبله، وما نالهم من قومهم، فقال تعالى: «وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا» عَلَى أداء الرسالة والوعظ، وعلى ما نالهم من الأعداء من الأذى، وعلى مَا كُذّبُوا وعلى ما نالهم من الأذى من قومهم «حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا» وهو النصرة التي تكفل اللَّه بها لأنبيائه «وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ» قيل: لا خلف لوعده بالنصر نحو قوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} وقوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ١٧٢}.

  فأمره بالصبر إلى وقت نزول النصر؛ لأنه أخبر ببعض ذلك دون بعض، على ما علم من المصالح، وكيف جاء نبؤهم قيل: في القرآن كقوله: