قوله تعالى: {ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون 56}
  · المعنى: ثم ذكر تعالى نعمة أخرى فقال: «ثُمَّ» يعني بعد أن أخذتهم الصاعقة وماتوا، وقيل: «بَعَثْنَاكم» أي أحييناكم، عن الحسن وقتادة وجماعة، وقيل: بعثناكم أنبياء، عن السدي، والأول أوجه؛ لأن ظاهر الكلام يدل عليه، ولأنه ذكره عقيب الموت «لَعَلكمْ تَشْكُرُونَ» أي لكي تشكروا اللَّه على نعمه، وقيل: إنه تعالى أحياهم بدعاء موسى، وذلك أنه تعالى لما أماتهم قعد موسى يبكي ويدعو، ويقول: يا رب ماذا أقول لبني إسرائيل وقد أهلكتهم؟، وهم خيار بني إسرائيل، فأحياهم اللَّه رجلاً رجلاً ينظر بعضهم إلى بعض كيف يحييه، حتى أحياهم كلهم.
  ويُقال: كيف كلفهم بعد ما اضطروا إلى المعرفة بما عاينوا من أحكام الآخرة؟
  قلنا: لم يضطروا، ولم يعاينوا، فكان موتهم بمنزلة النوم والإغماء.
  ويقال: من الَّذِينَ سألوا الرؤية؟
  قلنا: قيل: هَؤُلَاءِ صعدوا الجبل يعتذرون لبني إسرائيل في عبادة العجل فلما سمعوا كلام اللَّه طلبوا رؤيته، فأخذتهم الصاعقة، ثم بعثوا، وقيل: سأل غيرهم.
  · الأحكام: الآية تدل على فساد قول الْمُجْبِرَةِ في الإرادة في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} والمعنى لكي تشكروا، ولو أراد كفرهم لقال: لتكفروا، عن أبي علي.
  ويُقال: هل تدل الآية على جواز الرجعة؟
  قلنا: لا، وهذا كان معجزة لنبي، ولأنه ليس في إعادة بعض الأحياء دليل على إعادة الكل، وقد قام الدليل أن الناس لا يردون إلى دار الدنيا، وأجمعت الأمة عليه.
  ويقال: هل قطع آجالهم بالإحراق؟
  قلنا: لا، بل انتهى أجلهم؛ لأن الأجل هو الوقت المضروب للشيء وكان أجل إحراقهم ذلك الوقت، فلما أحياهم كان هذا أجلاً ثانيًا، كما لو أحياهم في الآخرة.