قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين 52 وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين 53}
  هَؤُلَاءِ سبقونا بالإيمان، وفضلوا علينا، وأما الفقراء بالصبر على أذاهم، وعلى ما حرموا من الدنيا مع منزلتهم والتوسيع على غيرهم، وقيل: خالفنا بين أحوالهم ليظهر صنيع كل واحد، فالغني مكلف بالشكر وإعطاء الحق، والفقير بالصبر وترك الجزع «لِيَقُولُوا» قيل: كان عاقبة ذلك أن قالوا: أهَؤُلَاءِ أنعم اللَّه عليهم دوننا، إنكارًا لذلك، وقيل: لكي يستخبروا هَؤُلَاءِ أنعم اللَّه عليهم، فيؤمنوا كما آمن أولئك، عن أبي علي، وقيل: ليظهر هذا القول منهم كما علمه من ضمائرهم استخْفافًا بالمؤمنين، ثُمَّ رد عليهم فقال سبحانه: «أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ» يعني: يعلم الشاكر فيعظمه ويفضله، ويعرف قدره دون الكافر.
  · الأحكام: تدل الآية على أن الواجب في الدعاء الإخلاص؛ لذلك قال: «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ».
  وتدل على أن الفضل بالدين لا بالمال والجاه، وأن من ظن ذلك ذهب مذهب الكفار.
  وتدل على أنه ينبغي للمؤمن أن يوالي المؤمنين وإن كانوا فقراء، ولا يوالي العصاة وإن كانوا كبراء وأغنياء.
  وتدل على أن الدعوة فعلهم؛ لذلك مدحهم عليها، فيبطل قولهم في المخلوق.
  وتدل على أن أحدًا لا يؤاخذ بذنب غيره، خلاف مذهب الجبر في أطفال المشركين، وإحالة الذنوب على غير من أذنب.
  وتدل على أنهم امتحنوا ليقولوا إما استخبارًا، وإما إرادة اللحوق بهم: أهَؤُلَاءِ، ولا تعلق للمخالفين؛ لأن مثل هذا السؤال على طريق الاستخبار لا يقبح، وفيه لطف؛ لأنهم إذا علموا ما فضلوا به رغبوا في الإيمان.
  وتدل على أن الفقر لا يؤثر في حال الرجل إذا كان مؤمنًا، وقد روي عن النبي ÷ في أخبار أنه قال: «انظروا إلى من دونكم في الدنيا، وإلى من فوقكم في