التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين 52 وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين 53}

صفحة 2247 - الجزء 3

  وقيل: قالوا: اجعل لنا يومًا، ولهم يوما فأبى، فقالوا: اجعل المجلس واحدًا، وأقبل علينا بوجهك، وول ظهرك إليهم، فنزلت الآية، عن الكلبي.

  وقيل: جاء عتبة وشيبة ومطعم بن عدي والملأ من قريش إلى أبي طالب، وسألوه أن يسأل النبي ÷ أن يطرد هَؤُلَاءِ، فألم أبو طالب به، فنزلت الآية، عن عكرمة، بَيَّنَ تعالى أنه أرسل رسوله للدين، فيجب أن يكون غرضه الدين وأهله دون أرباب الدنيا، وبَيَّنَ أن الوسيلة إليه بالدين لا بالدنيا.

  · المعنى: ثم نهى تعالى رسوله عن إجابة ما اقترح عليه المشركون من طرد المؤمنين تكبرًا واغترارًا بالدنيا، فقال سبحانه: «وَلاَ تَطْرُدِ» أي لا تبعد «الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ» قيل: هو الدعاء والثناء، وقيل: هو ذكر اللَّه، عن إبراهيم، وقيل: يوحدونه ويمجدونه، عن الأصم، وعلى هذا أراد دوام ذلك لاختصاصه بالوقتين، وقيل: العبادة، عن الضحاك، وقيل: الصلاة المكتوبة، عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب، وقيل: هو قراءة القرآن، عن أبي جعفر «يُرِيدُونَ وَجْهَهُ» قيل: يريدونه، وذكر الوجه للتعظيم والتفخيم كقولهم: هذا وجه الأمر، وهو وجه القوم، وقيل: يريدون طاعته ورضاه «مَا عَلَيكَ مِنْ حِسابهِمْ مِنْ شَيءٍ» قيل: ما عليك من حساب عملهم، نفي ما عليهم، كقوله حكاية عن نوح: {إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي} عن الحسن وأبي علي، وقيل: من كفايتهم، عن أبي مسلم، وقيل: من حساب رزقهم أي فقرهم، وقيل: لا تؤاخذ بهم، ولا يؤاخذون بك، عن أبي علي، وقيل: من حساب هَؤُلَاءِ الكفار إن لم يؤمنوا «فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» يعني: لا تطرد، فإن طردت تكن من الظالمين لنفسك في طردهم، وقيل: معناه فتكون واضعًا للطرد في غير موضعه؛ لأن الطرد والاستخفاف يستحقه الكافرون دون المؤمنين، «وَكَذَلِكَ فَتَنَّا» أي امتحنا، وشددنا التكليف «بَعْضَهُمْ ببعضٍ» يعني الغني بالفقير، والفقير بالغني، والامتحان ما على الأغنياء من تعظيم الفقراء وإيفاء حقهم، وترك التهاون بهم، وتفضيلهم على هَؤُلَاءِ الرؤساء من الكفرة؛ لأنهم إذا رأوهم قالوا: