التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم 54 وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين 55}

صفحة 2253 - الجزء 3

  كما فصلنا هذا نفصل في هذه السورة، وقيل: كذلك تحقيق لا تشبيه أي يبين الآيات ويصرفها «نُفَصّلُ» نبين، عن قتادة وابن زيد «الآيَاتِ» الحجج؛ أي نبين لكم الحجج على صحة قولكم، وبطلان ما يقوله هَؤُلَاءِ الكفار، وقيل: ما ذكرنا من أخبار الأمم «وَلِتَسْتبِينَ سَبِيلُ» بالرفع؛ أي لتَظْهَرَ طريق «الْمُجْرِمِينَ» وبالنصب لتعرف يا محمد أو أيها السامع سبيل المجرمين، يقال: استبنت الشيء: عرفته، وقيل: لتعرف رؤساء المشركين يوم القيامة، وقيل: معناه لتظهر طريق الحق وطريق الباطل إلا أنه اقتصر على سبيل المجرمين وخصه قيل: لأنه معلوم كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وحذف البرد، وقيل: إنه يتضمن هذا المعنى فهو غير محذوف كما تتضمن صفة ضارب الضرب والمضروب.

  ومتى قيل: فما سبيل المجرمين؟

  قلنا: ما هم عليه من الكفر والعناد والإقدام على المعاصي والجرائم المؤدية إلى النار، وقيل: سبيلهم ما عاملهم اللَّه به من الإذلال واللعن والبراءة منهم، والأمر بقتلهم وسبيهم، ونحو ذلك.

  · الأحكام: تدل الآية على عظيم منزلة المؤمنين؛ حيث أمر اللَّه تعالى نبيه بإكرامهم بالتحية والتقريب، وإبطالاً لما اقترحوا من طردهم.

  وتدل على أن هذا القول لا يجوز إلا للمؤمنين، فتدل على أنه لا يجوز أن يسلم على أهل الذمة والكفار، خلاف ما قاله بعضهم.

  وتدل على أن الرحمة تنال بالتوبة دون الإصرار، خلاف قول المرجئة.

  وتدل على أن أفعالهم حادثة من جهتهم؛ لذلك صحت الإضافة والمدح والذم، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ.

  وتدل على أن التوبة لا تكفي في وجوب الرحمة حتى ينضم إليها العمل الصالح.