التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون 60}

صفحة 2264 - الجزء 3

  والجرح: الكسب، وهو العمل بالجارحة، والاجتراح: الاكتساب، ومنه:

  جوارح الطير كواسبها.

  والبعث: الإطلاق في الفعل، ومنه: انبعث الماء إذا حبس ثم جرى، وانبعث الدم من العرق، وبعث اللَّه الرسل، ومنه: البعث من القبور، ومنه: بَعَثْتُ الناقة: أَثَرْتُها.

  والقضاء: فصل الأمر على التمام. والمرجع من الرجوع، وهو الانقلاب إلى الحالة الأولى.

  · الإعراب: «مَا جَرَحْتُمْ»: محله نصب تقديره: يعلم عملكم.

  · النظم: يقال: كيف اتصال الآية بما قبلها؟

  قلنا: فيه وجوه:

  قيل: لما بين في الآية الأولى تمام علمه منبهًا أنه عالم لذاته، لا يحتاج إلى علم ومعلم، وبين في هذه الآية كمال قدرته، منها: أنه قادر لذاته؛ لأن الإماتة والإحياء لا يقدر عليهما أحد إلا القادر لذاته، فهو كالأجسام والألوان والطعوم والروائح.

  وقيل: هو احتجاج على مَنْ تقدم ذكرهم من أنواع الكفار بأنه مستحق للإلهية دون ما يُعْبَدُ سواه، وأنه المدبر لعباده بما لا يقدر عليه سواه، عن الأصم.

  وقيل: لما ذكر «وَاللَّهُ أعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ» بَيَّنَ أنه عالم بأفعالهم بقوله: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيبِ»، ونبه على الجزاء والبعث، وكمال قدرته بقوله: «وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكم».

  ومتى قيل: كيف ترتبت الآية ونظمها؟

  فجوابنا: هو الذي يتوفاكم بالليل ثم يبعثكم بالنهار على علم بما تجترحون؟