التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون 65 وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل 66 لكل نبإ مستقر وسوف تعلمون 67}

صفحة 2272 - الجزء 3

  من غرق البحر، وضلال طرق البر، وإنما جمع الظلمات لأنه أراد ظلمة الليل، وظلمة الغيم، وظلمة التيه والحيرة في البر والبحر، فجمع لفظه ليدل على معنى الجميع، وقيل: المراد بالظلمات الشدائد والأهوال عن الأصم. «تَدْعُونَهُ» أي تدعون اللَّه عند معاينة الأهوال «تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً» أي متضرعين في خفية من البشر، وتعاهدونه بأنه إن خلصكم «مِنْ هَذِهِ» أي من الظلمات «لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ» لنعمه العابدين له «قُلِ» يا محمد «اللَّه يُنَجّيكُمْ» أي ينعم عليكم بالنجاة والفرج، ويخلصكم من تلك الظلمات «وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ» أي من كل غم غير ذلك «ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ»، وإنما قال ذلك - وإن كان شركهم قبل النجاة وبعدها - لأنه عند قيام الحجة يجب الإخلاص، فهم - بَدَلَ ذلك - يشركون.

  · الأحكام: تدل الآية على أن المالك للنفع والضر هو اللَّه تعالى دون ما يعبدون من الأوثان؛ لأنهم عند التحقيق يلوذون به ويلجؤون إليه.

  وتدل على أنه تعالى ينعم على الكافر بنعيم الدنيا؛ لتكون حجته أوكد.

  وتدل على وجوب الانقطاع إليه والإخلاص له.

  وتدل على سوء خُلُق أولئك حتى تضرعوا في البلاء، وأعرضوا في الرخاء.

  وتدل على أن الشرك والإعراض فِعْلُهم ليس بخلق لله تعالى؛ لذلك يصح ذمهم.

قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ٦٥ وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ ٦٦ لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ٦٧}