التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قل أندعو من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين 71}

صفحة 2287 - الجزء 3

  يغلب عليه المرار وبعض العلل فيذهب عقله أو من لا عقل له كالمجانين فَيَلِجُ عليه الشيطان فيهيم على وجهه، ولا يدري أين يذهب، عن أبي علي، وقيل: دعته الشياطين فيجيبها، عن الأصم، وقيل: ذهبت به، عن [نفطوية]، وقيل: استمالته فهوي أي أسرع، وقيل: استهوته الغيلان في المهامه، عن ابن عباس، وأراد بالغول الشيطان «فِي الأَرْضِ حَيرَانَ» أي هو حائر لا يدري أين يتوجه، ووجه الشبه: أنه تعالى شبه الصائر إلى الضلال بعد الدعاء إلى الهدى بحال الصائر إلى الضلال بسلوك غير المحجة في طريقه بعد الدعاء إلى الهدى بلزوم المحجة «لَهُ أَصْحَاب يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى» قيل: إنه يرجع إلى الحيران يعني لهذا الحيران في الأرض الذي أضله الشيطان. «أَصْحَابٌ» رفقاء يدعونه إلى الطريق وهو الهدى، ويقولون له: ائتنا، فلا يقبل منهم، ولا يصير إليهم، ويقيم على حيرته وضلاله، عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: المراد به الكفار، يعني له أصحاب يدعونه إلى الهدى، ويرونه أنه في عبادة غير اللَّه متبع لهواه ضال في دينه، يقولون له «ائْتِنَا» إلى الهدى والحجج التي يعرف بها الحق، وأن الأوثان ليست بأهل أن تعبد، عن الأصم، وقيل: له أصحاب يعني أبويه، وقيل: أصحاب محمد ÷ ورضي عنهم «قُلْ» يا محمد «إِنَّ هُدَى اللَّه هُوَ الْهُدَى» جواب لهم، وتقديره: أندعو من دون اللَّه ما لا ينفعنا ولا يضرنا؟! لا يُعْقَلُ؛ لأن هدى اللَّه هو الهدى في الحقيقة؛ لأن هدى الجهال ليس بهدى، كما أن شبهة المبطل ليست بحجة، وقيل: معناه: إن هدى اللَّه الذي هو أدلته وبيانه هو الهدى؛ أي المؤدي إلى الفوز والنجاة، وطريق الجنة يوم القيامة، «وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمِ» لنستسلم وننقاد «لِرَبِّ الْعَالَمِينَ» خالق العالمين ورازقهم وسيدهم، والْعَالَمُ: الخلق، وقيل: أمرنا أن نسلم أمورنا إليه، ونتكل عليه دون غيره، عن أبي علي، وقيل: لنسلم؛ أيْ ندخل في السلم، وهو الإسلام، وهذا يتصل بأول الآية، كأنه قيل: لا ندعو ما لا ينفع ولا يضر، ولكن نعبد رب العالمين؛ لأنه القادر على النفع والضر.