التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون 80 وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون 81}

صفحة 2305 - الجزء 3

  واعتقدت التوحيد، عن الأصم «إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيئًا» قيل: الاستثناء منقطع، وقيل: معناه: لكن أخاف ربي أن يعاقبني إذا أذنبت ذنبًا، وقيل: لا أخاف إلا أن يشاء ربي أن يفعله من ضرر؛ لأنه القادر عليه، عن أبي علي، وقيل: إلا أن يشاء ربي أن يصيبني بلاء من جهته، عن الأصم قال: لأنهم حرقوه [لأجلها]، وقيل: الاستثناء حقيقة، ومعناه أني لا أخاف الأصنام إلا أن يشاء ربي شيئًا بجعلهم أحياء ممكنين من ظلمي فحينئذ أخافهم، فأما الآن وهو جماد لا يملك شيئًا فلا أخافهم «وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا» أي الذي يرجى ويُخاف هو من يعلم جميع الأشياء ويقدر على كل شيء، ومعنى «وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيءٍ عِلْمًا» أي هو عالم بكل شيء، ثم حثهم على التفكر فيما دار بينهم فقال: «أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ» أي فيما أخبركم ودللت عليه، وهذا تقرير بعد الاستدلال «وَكيفَ أَخَافُ» هذا إنكار، أي لا أخاف «مَا أَشْرَكتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ» قيل: كيف أخاف شرككم، وأنا منه بريء، واللَّه تعالى لا يعاقبني بفعلكم، وأنتم لا تخافونه وقد أشركتم بِاللَّهِ؟! وقيل: كيف أخاف أصنامكم، وهي جماد لا تنفع ولا تضر، ولا تخافون أنتم اللَّه، وهو مالك قادر على النفع والضر، وقيل: كيف أخاف ما أشركتم، وقد اتبعت الدلالة، ولا تخافون وقد اتبعتم الشبهة والتقليد، ولا حجة لكم «مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيكُمْ سُلْطَانًا» أي حجة على صحته «فَأيُّ الْفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ» قيل: من وَحَّدَ وعبد إلهًا واحدًا، أو من أشرك بِاللَّهِ وأَلْحَدَ في دينه؟ وقيل: من اتبع الأدلة، أو من اتبع التقليد والهوى «إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» الحق من الباطل، والدليل من الشبهة، وقيل: إن كنتم عقلاء.

  · الأحكام: تدل الآية على أن قوم إبراهيم لما حاجوه رد عليهم، وبين الأدلة وحَلَّ الشُّبَهَ، وهذا هو الواجب على المكلف.

  وتدل على أن الواجب اتباع الأدلة دون الإلف والعادة.