التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون 82 وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم 83}

صفحة 2307 - الجزء 3

  · المعنى: لما تقدم قوله: «فَأَيُّ الْفَرِيقَينِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ» عقبه ببيان من هو أحق بالأمن، فقال سبحانه: «الَّذِينَ آمَنُوا» صدَّقوا، واختلفوا ممن هذا الجواب، فقيل: من اللَّه على جهة فصل القضاء بذلك بين إبراهيم وقومه، عن ابن زيد وابن إسحاق وأبي علي، وقيل: جواب قومه لما سألهم: أي الفريقين أحق بالأمن؟ أتوا بما فيه حجة عليهم، عن ابن جريج، وقيل: هو جواب إبراهيم كما يسأل العالم ويجيب نفسه، حكاه الزجاج، وقيل: هو من تمام قول إبراهيم فإنه بَيَّنَ التوحيد والعدل والوعد والوعيد، ومعنى «آمَنُوا» صدقوا اللَّه وعملوا بطاعته «وَلَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ» قيل: بشرك، عن ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي بكر وحذيفة وسلمَان كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وعن ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية قالت الصحابة: ليس منا من لا يظلم، فقال ÷: «أما تقرؤون: {إِنَّ الشِّركَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وقيل: أراد ظلم نفسه وظلم غيره، والمراد به الكبائر دون الصغائر، فهو عام في الكفر وغيره، فأما الصغائر فلا تدخل فيه؛ لأنها مُكَفَّرَة بالطاعة كالمكفر بالتوبة، ولأن المراد ألّا يخلطه بظلم يؤثر في إحباط عمله، ولأنه وصفه باللبس فيصير كاللباس له، وذلك يدل على أنه كبيرة «أُولَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ» يعني المستبصر في الدين آمن يوم القيامة من العذاب «وَهُمْ مُهْتَدُونَ» قيل: إلى الجنة، وقيل: إلى الحق والدين عن أبي علي وجماعة «وَتِلْكَ حُجَّتُنَا» أي أدلتنا «آتَينَاهَا إبْرَاهِيمَ» قيل: كما أعطيناك الحجة أعطيناها إبراهيم، عن أبي مسلم، وقيل: آتيناه الحجة بإخطارها بباله، وقيل: بأمره له وتلقينه إياه «عَلَى قَوْمِهِ» واختلفوا في تلك الحجة على خمسة أقوال: قيل: هي قوله: لا يجوز أن يُعبد من لا ينفع ولا يضر، وإنما المستحق للعبادة مالك النفع والضر من غير تمليكٍ، القادر الذي لا يعجز، الدائم الذي لا يفنى، العالم الذي لا يجهل، وقيل: هي أنه قال: أي الفريقين أحق بالأمن: مَنْ يعبد إلهًا واحدًا، أو من يعبد آلهة؟ فقالوا: من يعبد إلهًا واحدًا، فأقروا على أنفسهم، وقيل: قالوا: أما تخاف آلهتنا؟ فقال: أما تخافون حيث تجمعون بين الصغير والكبير في العبادة، حكاهما الفراء، وقيل: هي