قوله تعالى: {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون 91}
  مَا أَنزَلَ اللَّه عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيءٍ» يعني من كتاب «قُلْ» يا محمد «مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى» يعني التوراة، وإنما احتج بذلك عليهم، قيل: لأن القائل لذلك اليهود مع إقرارهم بالتوراة، وقيل: القائل لذلك مشركو العرب، فاحتج عليهم بالأمر الظاهر، وبيّن أن منزلة محمد كمنزلة موسى # «نُورًا» يعني: أنه كالنور يستضاء في الدين به، كما يستضيء في الدنيا إلى منافعها بالنور «وَهُدًى لِلنَّاسِ» أي: دلالة يهتدون بها «تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ» أي: كتبًا وصحفًا لأن تكون مجموعة ليقولوا ما شاؤوا «تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا» أي: تظهرون بعضًا، وتكتمون بعضًا، وبالياء بمعنى أنهم يفعلون ذلك يعني اليهود، وعلى قول من يقول: إنه خطاب لمشركي العرب بالتاء خطاب لهم، وانصرف الخطاب لهم تصرفًا في الكلام «وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا» قيل: إنه خطاب للمسلمين يذكرهم نعمته به عن مجاهد. وقيل: الخطاب لليهود أي: جعل لهم علمًا فضيعوه، ولم ينتفعوا به عن الحسن. كأنه قيل: علمكم بالتوراة المنزل «مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ»، وقيل: الخطاب لمشركي العرب قريش، أي علمكم هذا النبي ÷ من أمر الدين، ففي التوراة ما لم تكونوا تعلمون أنتم ولا آباؤكم، عن الأصم، فلما ظهر انقطاعهم قال تعالى: «قُلِ» يا محمد «اللَّهُ» أنزل ذلك، فلما ظهر حزنهم قال: «ذَرْهُمْ» أي: دعهم وما يختارونه من العناد وما خاضوا فيه من الباطل واللعب، وهذا تهديد لهم أي: دعهم، فإن حسابهم عليّ، وعقوبتهم مُعَدَّة «فِي خَوْضِهِمْ» أي: لبسهم واختلاط من أمرهم «يَلْعَبُونَ» اللعب: كل أمر لا يجدي نفعًا.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى ينزل المصالح، وأن نفيه مما يجري مجرى القدح في قدرته وعظمته؛ لأنه إذا كان إنزال الكتب للمصلحة من حيث كان قادرًا عليه عالمًا بما