التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومن حولها والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به وهم على صلاتهم يحافظون 92}

صفحة 2322 - الجزء 3

  فقال سبحانه: «وَهَذَا كتَابٌ» يعني القرآن «أَنزَلْنَاهُ» يعني: من السماء إلى الأرض؛ لأن جبريل أتى به من السَّماء «مُبَارَكٌ» أي: هو مبارك، وقيل: لأنه ممدوح مستسعد به، كل من تمسك به نال الفوز فسمي مباركًا، عن أبي مسلم. وقيل: لأن فيه زيادة بيان وهدى على ما في الكتب؛ لأنه ناسخ، عن أبي مسلم، وقيل: مبارك لعظم الانتفاع لمن تمسك به علمًا وعملاً، وقيل: لثبوته وبقائه إلى آخر التكليف، لا يَرِدُ عليه نسخ، وقيل: لكونه أصلاً لجميع العلوم مشتملاً على خير الدين والدنيا، عن الأصم «مُصَدِّقُ الَّذِي بَينَ يَدَيْهِ» قيل: يصدق الكتب التي بين يديه؛ يعني قبله كالتوراة والإنجيل وغيرهما، عن الحسن وأبي علي، وقيل: مصدق الذي بين يديه من النشأة الثانية، وسمى الكتب أنها بين يديه؛ لأنها وجدت بعده، وسمي الحشر بين يديه؛ لأنه يأتي عقيبه، وتصديقه للكتب لوجهين: أحدهما: أنه يشهد بأنها حق. والثاني: أنه ورد بالصفة التي نطق بها الكتب المتقدمة «وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى» أي: لتخوفهم، وقيل: إنه مبارك لمن آمن به، حجة عظيمة على من لم يؤمن. وأم القرى: مكة، قيل: لأن الخلق تجتمع إليها كما تجتمع إلى الأم، وقيل: لأنها أول بيت وضع، ودحيت الأرض من تحتها، عن السدي، فكأن القرى تَنَشَّأَت حولها، وقيل: لأنها معظمة عليها كتعظيم الأم، عن الزجاج وأبي علي، وقيل: لأنها قبلة الخلق، ومحل النسك، وأفعال الحج، ومثابة للناس، عن القاضي «وَمَنْ حَوْلَهَا» أهل الأرض كلهم، عن ابن عباس، وقيل: العرب، عن أبي مسلم «وَالَّذِينَ يُؤْمنُونَ بِالآخِرَةِ» أي: يصدقون بالنشأة الآخرة، والبعث يوم القيامة «يُؤْمِنُونَ بِهِ» قيل: بمحمد، وقيل: بالكتاب، وإنما خصهم بالذكر، وإن كان ممن يؤمن بالآخرة ولا يؤمن به قيل: لأنه لم يعتد بإيمان أولئك، وقيل: لأن من خاف الوعيد تَهُمُّهُ نفسه فينظر في الأدلة، ويعرف الحق «وَهُمْ عَلَى صَلَاِتهِمْ يُحَافِظُونَ» قيل: الصلوات المكتوبات المحافظة عليها يقيمونها بشرائطها وأوقاتها على ما شرعت، عن أبي علي.