التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون 97 وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون 98}

صفحة 2336 - الجزء 3

  الآخرة، عن مجاهد، وقيل: المستَقَرُّ أصلاب الرجال، والمستودع أرحام النساء، أي: خلقكم من نفس واحدة، فمنكم ذكر تستقر النطفة في صلبه، ومنكم أنثى تستودع في رحمها، عن أبي مسلم، وقيل: المستقر: من مات على دين، فاستقر عليه، والمستودع: من لم يمت، فلا يدري عَلَامَ يموت، حكاه شيخنا أبو حامد.

  وإنما نبه تعالى بذلك على أشياء:

  منها: علمه بجميع أحوال الخلق حين كان نطفة في أصلاب الآباء، ثم مضغة في أرحام الأمهات، ثم خروجه حيًا إلى الأرض ولبثه فيها، ثم ميتًا في القبر، ثم مبعوثا للحشر.

  ومنها: تصريفه له بهذه الأحوال دالاً على حدثه وأنه مصنوع، وعلى أنه صانع.

  ومنها: تدبيره له في كل موضع على ما تقتضيه الحكمة، ورزقه وسيره وغير ذلك.

  ومنها: نبه أن الخلق بالعادة لا يتكامل إلا بأشياء:

  ومنها: النطفة تتدفق من أصلاب الآباء إلى أرحام النساء، وتنضاف إليها نطف النساء، فيكون الخلق من النطفتين، وتتكون في الرحم، وينسد فم الرحم، ثم يحييه، ويوصل إليه رزقه حتى يأتي أوان الخروج، فيخرجه على أتم تقدير.

  ومنها: أنه يكون ماء دافقًا، ثم يصير عَلَقَةً، ثم مضغة، ثم بشرًا سويًّا حيًّا ناطقًا في أحسن تقويم، وكل ذلك مما لا يقدر عليه إلا القادر للذات، المتنزه عن شبه الأشياء، المبرأ عن الآلات والجوارح.

  «قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ» أي: بينا الحجج بيانًا يفصل البعض من البعض، والحق من الباطل، حتى لم يبق شبهة ولا لبس «لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ» تفكروا فعلموا دون مَنْ أعرض عنه، وإنما خصهم بالذكر؛ لأنهم ينتفعون بها ويهتدون، وإلا فهو هَدْيٌ للجميع.