التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون 97 وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون 98}

صفحة 2335 - الجزء 3

  · الإعراب: «مستقر» رفع على الاستئناف؛ أي: منكم مستقر، أو لكم مستقر على اختلاف القراءتين كقوله: {فَصِيَامُ شَهْرَينِ} أي: فعليكم صيام شهرين، وقوله: {فَفِدْيَةٌ} أي: عليه فدية.

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تعالى من النجوم وخلق الإنسان ما يدل على وحدانيته وعظيم قدرته وتمام نعمته، فقال سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ» أي: اللَّه الذي جعل خلق «لَكُمُ» أي: لنفعكم «النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا» أي: أضاءها لتهتدوا «بهَا» بضوئها وجريانها وطلوعها ومواضعها «فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» أي: في ظلمات البحار والبراري كالاهتداء إلى الطرق والبلاد والقِبلة، وأوقات الليل «قَدْ فَصَّلْنَا» بيَّنا «الآيَاتِ» الحجج «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» يعني: لقوم يتفكرون فيعلمون، وكرر «فَصَّلْنَا الآيَاتِ» عند تكرير الأدلة تنبيهًا وحثًا على النظر، وأن كل واحد منها دال على توحيده وصفاته «وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ» خلقكم وأبدعكم «مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ» قيل: من آدم؛ لأن حواء خلقت منه عن أكثر المفسرين، وفيه عبرة عظيمة، ونعمة تامة لما نرجع إلى أصل واحد، فنكون أقرب إلى الألفة، وقيل: من آدم يعني خلق كل نفس من آدم «فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدعٌ» اختلف المفسرون في معنى ذلك، فقيل: مستقر في الأرض، ومستودع في الأصلاب، عن ابن عباس، وقيل: مستقر في الرحم إلى أن يولد، ومستودع في القبر إلى أن يبعث عن ابن مسعود وإبراهيم، وقيل: مستقر في الرحم، ومستودع في صلب الرجل، عن عطاء والفراء وسعيد بن جبير وأبي علي، وقيل: مستقر في الدنيا، ومستودع في القبر، عن الحسن، وروي عنه: مستودع في الدنيا، مستقر في القبر، وكان يقول: يا بن آدم، أنت وديعة في أهلك، ويوشك أن تلحق بصاحبك، وقيل: مستقر: ما قد خُلِقَ، ومستودع عند اللَّه ما لم يُخلق، عن ابن عباس، بخلاف الأصم، وقيل: مستقر على وجه الأرض، ومستودع عند اللَّه في