التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون 99}

صفحة 2340 - الجزء 3

  · المعنى: ثم عطف على ما تقدم من دلائل الوحدانية دلائل أُخَر من عجيب تقديره، وبديع تدبيره، فقال سبحانه: «وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ» قيل: من جانب السماء، وقيل: من نفس السماء المعروفة؛ لأنه ينزل من السماء إلى السحاب ثم يخرج من السحاب عن أبي علي، وقيل: أراد من السحاب، والعرب تسمي كل ما فوقك سماء، كسماء البيت «مَاءً» يعني المطر «فَأَخْرَجْنَا بِهِ» يعني بالمطر، ولا خلاف أن إخراجه بالمطر عادة، وكل من قال بالصانع قال: إنه قادر على أن يخرج النبات من غير ماء، ولكن أجرى العادة بذلك حكمة ومصلحة، كما أجرى العادة بأن يخلق الولد من النطفة، عند اجتماع الذكر والأنثى، والشبع عند الأكل، والري عند الشرب، والنبات عند إلقاء الحب «نَبات كُلِّ شَيءٍ» قيل: رزق كل شيء، وقيل: نبات كل صنف من النبات، كقوله: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ اليَقِينِ} عند الفراء. «فَأَخْرَجْنَا مِنْهِ» قيل: من الماء، وقيل: من النبات «خَضِرًا» يعني ورقًا خضرًا «نُخْرِجُ مِنْهُ» من الخضر «حَبًّا مُتَرَاكبًا» يعني من سنابل الحبوب يركب بعض الحب بعضًا «وَمِنَ النَّخْلِ» أي: ويخرج من النخل «مِنْ طَلْعِهَا» أي: من ثمرها «قِنْوَانٌ» عذق «دَانِيَةٌ» قيل: متهدلة قريبة من المتناول عن ابن عباس والبراء بن عازب وقتادة والضحاك، وقيل: فيه حذف يدل الكلام عليه، أي: منها دانية ومنها بعيدة، كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} أي: والبرد عن الزجاج، وقيل: مُتَدَانٍ بعضها إلى بعض، عن الحسن، «وَجنات» أي: وأخرجنا جنات، أي: بساتين وهو ما تجنُّه الأشجار «مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ» أي: أخرجنا الزيتون والرمان، وخصهما بالذكر لما فيهما من عجيب الصنعة «مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ» قيل: متشابهًا ورقه، مختلفة ثمره، [عن] قتادة وقيل: مشتبهًا في المنظر مختلفًا في الطعم، وقيل: منها ما يشبه بعضه بعضًا، ومنها ما يختلف، وقيل: مشتبهًا في ابتداء طلوعها مختلفًا عند انتهائها، وقيل: مشتبهًا في