التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضرا نخرج منه حبا متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبها وغير متشابه انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون 99}

صفحة 2341 - الجزء 3

  أكمامها مختلفًا بعد خروجها، وقيل: مشتبهًا في الخلقة غير متشابه في الحكمة، والأولى أن يقال: إن جميع ذلك مشتبه من وجوه، مختلف من وجوه، فيدخل فيه جميع ما تقدم «انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ» أي: نضجه، ومعناه: انظروا من ابتداء خروجه إذا أثمر إلى انتهائه إذا أينع وأدرك، كيف ينتقل عليها الحال في اللون والطعم والرائحة، والصغر والكبر، حتى إذا أينع ونضج وصار صنعًا عجيبًا تنتقل أحواله كتنقل أحوال الإنسان، فيدل أن له صانعًا ومدبرًا «إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ» أي: فيما تقدم حجج «لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» وإنما خص المؤمنين وإن كانت حجة للجميع؛ لأنهم يستدلون بها وينتفعون بمعرفة مدلولاتها.

  · الأحكام: تدل الآية على صحة الحجاج في الدين.

  وتدل على أن لهذه الأشياء مدبرًا وصانعًا حكيمًا حيث رتبه هذا الترتيب العجيب.

  وتدل على كمال قدرته وعلمه حيث ينقله في هذه الأحوال.

  وتدل على أنه تعالى قد يَفْعَلُ بسبب؛ لأنه ذكر أنه يخرج النبات بالمطر إلا أن الأسباب على ضربين: سبب موجب يولد المسبب، وسبب عادة، وأبو علي وإن لم يُجوِّزْ أنه يفعل بسبب موجب فلا يخالف في السبب الذي هو العادة.

  ومتى قيل: فما الفائدة في إجراء العادة ألَّا يخرج النبات إلا بالمطر؟

  قلنا: لما يعلمه تعالى من المصلحة، ولما فيه من منافع الدنيا، ومصالح الدين؛ لأن مَنْ عرف أنه متى لم يتعهد زرعه بالماء وغيره من وجوه التعهد لم ينتفع به، تَنبَّهَ أنه إذا لم يعمل للآخرة، ولم يتعهد ذلك أيام حياته لا ينتفع بعلمه، وكذلك إذا تعهد زرعه وسقاه ثم لم يحرسه من المحبطات يذهب عمله باطلاً، ففيه تنبيه أن من يعمل ولا يحرس عمله من المحبطات يذهب باطلاً.