التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين 106 ولو شاء الله ما أشركوا وما جعلناك عليهم حفيظا وما أنت عليهم بوكيل 107}

صفحة 2354 - الجزء 3

  · المعنى: ثم أمر تعالى رسوله باتباع الوحي والإعراض عن المشركين، فقال سبحانه: «اتَّبِعْ» أيها الرسول [«مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِنْ رَبِّكَ لاَ إِلَهَ إِلَّا هُوَ»] قيل: ادعهم إلى أنه لا إله إلا اللَّه، عن الحسن، وقيل: الوحي أنزله الذي لا إله إلا هو، عن أبي علي، وقيل: اتبع ما أوحي إليك أنه لا إله إلا هو، عن أبي مسلم، «وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ»، وقيل: المراد به الإعراض عنهم على طريق الاستجهال لهم فيما اعتقدوه من الشرك، وقيل: المراد بالإعراض الهجران لهم دون الإنذار، وترك الموعظة، عن أبي مسلم، وقيل: أراد الإعراض عن محاربتهم، ثم نسخ بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} عن ابن عباس. «وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا» متعلق المشبه محذوف أي: لو شاء اللَّه أن يكونوا على صفة غير الشرك لكانوا، والمراد بهذه المشيئة مشيئة الإكراه والقهر، فبين تعالى أنه يقدر أن يكرههم على الإيمان، ويَحُولُ بينهم وبين الشرك، ولكن لم يُرِدْ ذلك، وأراد أن يؤمنوا اختيارًا كي يستحقوا الثواب فهو مع قدرته عليهم لا يجبرهم، ولكن خلي بينهم وبين اختيارهم، ولا تجبر أنت أيضًا، وذكر الأصم فيه وجهين: أحدهما: لو شاء اللَّه لأنزل آية يؤمنون بها، والثاني: لو شاء اللَّه لأهلكهم بشركهم فلم يشركوا بعد إنذارك لهم. «وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيهِمْ حَفِيظًا» قيل: رقيبًا لأعمالهم حتى تمنعهم من الكفر «وَمَا أَنْتَ عَلَيهِمْ بِوَكيلٍ» قيل: قائمًا بتدبيرهم حتى تلطف لهم ليفعلوا ما يجب عليهم، وقيل: موكلاً بهم لتخرجهم من الشرك.

  · الأحكام: تدل الآية على أن النبي ÷ إنما يجب عليه اتباع الوحي، والإبلاغ فقط.

  وتدل على أن له الإعراض بعد التبليغ؛ لأن الحجة إذا تكاملت ولم يكن في الدعاء لطف فله الإعراض، فأما قبل ذلك إذ علم أنه لطف، فليس له ذلك.

  وتدل على أنه قادر أن يلجئ جميع الكفار إلى الإيمان، وأنه لم يُخَلِّهِمْ وسُوءَ اختيارهم لعجز، ولكن خَلَّاهَم ليؤمنوا اختيارًا بعد إقامة الحجة، وإزاحة العلة، وبين أنه ليس لأحد أن يلجئهم.