التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون 108}

صفحة 2357 - الجزء 3

  · المعنى: لما نهاهم عن عبادة الأصنام نهاهم عن سبها؛ إذ لا ذنب لها، إنما الذنب لمن عبدها، ولما في سبها من المفسدة، فقال سبحانه: «وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ» قيل: لا تسبوا الأصنام فيسبوا مَنْ أمركم بما أنتم عليه من عيبها، عن السدي، وقيل: لا تسبوا معبودهم فيحملهم الغيظ على أن يسبوا من تعبدون كما سببتم من يعبدون «الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» يعني الأصنام يدعونها آلهة سوى اللَّه.

  ومتى قيل: لم قال: «مِنْ دُونِ اللَّهِ» مع الاشتراك في العبادة؟

  فجوابنا: لأن عبادتهم لما وجهوها إلى الأوثان كانت عبادة لهم دون اللَّه؛ لأن عبادة اللَّه ما يكون له مخلصًا، وقيل: إنه لم يعتد بعبادتهم من حيث كانت محبطة بالشرك، وقيل: لأنهم فعلوا العبادة على غير الوجه المأمور به فلم يكونوا مطيعين.

  «فَيَسُبُّوا اللَّهَ» أي: يذكرونه بالقبيح «عَدْوًا» أي: ظلمًا وتجاوزًا للحد «بِغَيرِ عِلْمٍ» أي: بجهلهم بِاللَّهِ يفعلون ذلك، وقيل: لجهلهم بعاقبة ذلك يفعلونه «كَذَلِكَ زَيَّنَّا» أي: أمرناكم بحسن الدعاء إلى اللَّه تعالى، وتزيين الحق في قلوب المدعوين كما أمرنا الأمم قبلكم. «زَيَّنَّا» حببنا «لِكُلِّ أُمَّةٍ» جماعة تقدمت «عَمَلَهُمْ» قيل: ما أمرناهم بها ودعوناهم إليها، وعملهم يعني المأمور به وهو الطاعات، عن الحسن وأبي علي وأبي مسلم، وقيل: زَيَّنَّا بالحجة الداعية إليها، وقيل: بالإلطاف، والترغيب والترهيب، وحسن الجزاء، وقيل: بالتزيين يميل الطبع إليه فهو إلى الحسن ليفعل، وإلى القبيح ليجتنب، والأول الوجه؛ لأنه يميل إلى القبيح «ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ» أي: بعدما فعلنا ذلك بهم «مَرْجِعُهُمْ» أي: مصيرهم «إِلَى رَبِّهِمْ» إلى حكم ربهم، والموضع الذي لا حكم لغيره نافذ فيه، وهو القيامة «فَيُنَبِّئُهُمْ» قيل: يجازيهم، وقيل: يخبرهم «بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: بأعمالهم من الخير والشر.

  · الأحكام: تدل الآية على أشياء: