قوله تعالى: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون 108}
  منها: النهي عن سب الأصنام لوجهين: أحدهما: أنها جماد لا ذنب لها، والثاني: لكون ذلك مفسدة مؤدية إلى كفر.
  ومتى قيل: فما الذي يجب؟
  فجوابنا: بيان بغضها، وأنه لا يجوز عبادتها، وأنها لا تضر ولا تنفع، ولا تستحق العبادة، وهذا ليس بسب، وعلى هذا قال أمير المؤمنين يوم صفين: لا تسبوهم، ولكن اذكروا قبيح أفعالهم.
  ومنها: أن ما يؤدي إلى كفر وقبيح لا يحل أن يُفْعَلَ؛ لأنه لما كان المعلوم أن سبها يدعو إلى سبهم رَبِّ العزة وكفرهم به مَنَعَ منه تعالى، فمن هذا الوجه تدل على أنه لا يفعل ما يدعو إلى المعصية؛ إذ لو جاز أن يفعله هو لجاز أن يبيح لنا ذلك.
  ومنها: أنه تعالى لا يريد سبه؛ لأنه لو أراد ذلك لما منع بالنهي عما يدعو إليه، فإذا لم يرد سب الأصنام لأنه يؤدي إلى سبه، فَلأَنْ لا يريد سَبَّ نفسه أولى، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في الإرادة، ومن وجه آخر: أن سبهم كان زيادة في كفرهم فلما لم يرد زيادة كفرهم، فلأن لا يريد كفرهم أولى.
  ومنها: دلالة الآية على بطلان قولهم في خلق الأفعال من وجوه:
  أولها: أنه نهاهم عن السب فلو كان خلقه لم يكن للنهي معنى.
  وثانيها: أنه لو خلقه فيهم لما جاز أن ينهى عما عنده يفعل؛ لأنه يصير كالمانع نفسه بما يخلقه فيهم.
  وثالثها: أنه لو كان سبهم إياه خلقًا لله تعالى لكان لا يختلف الحال فيه بِسَبِّهم الأصنام لا يوجد سبه، ولو خلق سبه، ولم يسبوا الأصنام وُجِدَ، فكيف على سبه بسبهم، وهذا واضح.
  ورابعها: قوله: «يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ».