التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون 61}

صفحة 407 - الجزء 1

  · الإعراب: يقال: كيف قيل: «ادْعُ لَنَا رَبَّكَ» ولم يذكروا له مطلوبًا؟

  قلنا: في الكلام حذف، وقيل: تقديره ادع لنا ربك، فَقُلْ: أخرج لنا مما تنبت الأرض، يُخْرِجْ ذلك، وقيل: فيه تقدير ثالث، هو أن يكون يخرج في موضع ليخرج جزمًا، فلما حذفت اللام حصل كالجواب، قال الزجاج: وهو وجه ضعيف؛ لأن ما جاء على تقدير ذلك مرفوع، كقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} ثم قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}.

  ومصر لا ينصرف، والصرف يجوز فيها من وجهين:

  أحدهما: أن يكون اسمًا للمكان، فيصرف على أنه مذكر، سمي به مذكر، فإذا جعل للبقعة لم يصرف، كما يفعل ذلك في أسماء الحي والقبيلة.

  والثاني: أن كل اسم مؤنث كان وسطه ساكنًا على ثلاثة أحرف، فإنه يجوز صرفه كهند ودعد وَحُمْل.

  · المعنى: لما عد اللَّه تعالى نعمه عليهم بين ما قابلوا به تلك النعم من قلة الشكر، واختيار السوء فقال تعالى: «وَإذْ قُلْتُمْ» يعني قال أسلافكم من بني إسرائيل، «يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ» يعني المن والسلوى.

  ومتى قيل: كيف قال: «طَعَامٍ وَاحِدٍ» ولهم المن والسلوى؟

  قلنا: لما كان غذاؤهم في كل يوم لا يتغير قيل: طعام واحد، كما يقال: لمن داوم على الصوم والصلاة أمره أمر واحد، وقيل: العرب تعبر عن الاثنين بالواحد، وعن الواحد بالاثنين، كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وإنما يخرج من المَلِح.