التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون 116 إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 117}

صفحة 2379 - الجزء 3

  الخرص الحَزْرُ، سمي الكذب خرصًا لأنه قطع على ما لا يجوز أن يقطع به، ومنه: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ١٠}.

  والعلم: اعتقاد الشيء على ما هو به مع سكون النفس، وأَعْلَمُ: أَفْعَلُ منه، ومعناه أنه أعلم به ممن يعلمه؛ لأنه يعلمه من وجوه تخفى على غيره، ولفظة أفعل إنما حقيقته فيما يصح فيه التزايد، يقال: «أبيض» إذا كان أجزاء البياض فيه أكثر، واختلفوا في «أعلم»، قيل: المراد به كثرة العلوم أو كثرة المعلوم عن أبي علي، وقيل: يراد أنه يعلم ما لا يعلمه غيره ولا يراد به كثرة العلوم؛ لأنه لو علم شيئًا بعلوم، وآخر بعلم واحد لا يقال أعلم، وقيل: لفظة «أعلم» إذا لم يذكر معها (مِنْ) فهو على معنيين أحدهما: أنه أعلم من الكل فاجتزئ عن ذكر (مِنْ) كقوله: اللَّه أكبر، أي: من كل شيء، والثاني: بمعنى فعيل كقول الشاعر:

  بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وأَطْوَلُ

  أي: عزيز طويل.

  · الإعراب: يقال: ما موضع «من يضل» من الإعراب؟

  قلنا: فيه قولان:

  الأول: موضعه نصب على حذف الباء، حتى يكون مقابلا لقوله: «وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ»، وهو قول بعض البصريين.

  الثاني: رفع لأنها بمعنى أي، كقوله: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ} عن الفراء والزجاج، قال الفراء: (مَنْ) إذا كان بعد العلم والنظر والدراية كان بمعنى (أيّ)، فَأَعْرِبْها بما بعدها، فإن كان ما بعدها فعلاً لها رَفَعْتَهَا به، وإن وقع عليها فعل