التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون 116 إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين 117}

صفحة 2380 - الجزء 3

  فانصب، كقولك: ما أدري من قام، رفعت (من) بـ قام، وما أدري من ضربت، نصبتها بـ (ضرب)، ومنه: {لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ}، وإنما كان كذلك؛ لأن الاستفهام له صدر الكلام، لا يعمل فيه. ما قبله إلا الخافض، نحو قوله: {بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ٦}.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الكتاب بَيَّنَ تعالى في هذه الآية أن من تبع غيره، أو أعرض عنه ضل وأضل، فقال سبحانه: «وَإنْ تُطِعْ» قيل: خطاب للنبي ÷، وقيل: المراد غيره، وقيل: المراد هو وغيره، والطاعة موافقة المطيع المطاع فيما يريده منه «أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ» يعني الكفار، وأهل الضلالة، وإنما ذكر الأكثر لأن فيهم من آمن، وفيهم من يؤمن ويدعو إلى الحق، ويذب عن الدين، ويجادل أهل الباطل، ولكن هم الأقل، والأكثر الضُلَّال «يُضِلّوكَ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ» أي: عن دينه «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ» يعني الأكثر لا يعتقدون أديانهم عن دليل «وَإنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ» يكذبون «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» وأنه ليس بالكثرة ولا بالقلة تحسينًا للظن بهم، واللَّه أعلم بالضال والمهتدي، وإنما هو بالحجة.

  · الأحكام: تدل الآية أن الواجب اتباع الأدلة دون التقليد الذي لا يميز حقًا عن باطل، فيبطل قول الحشوية في جواز التقليد، ثم بَيَّنَ العلة فيه، وهو اتباع الظن لأن من اتبع غيره لا يعلم يقينا أنه على الحق، ولكن يحسن الظن به، فيظنه على الحق، وبَيَّنَ أنهم يخرصون في القول، وهذا الذي ذكره تعالى العمدة في بطلان التقليد.

  وتدل على أنه لا ينبغي أن يعتبر بالأكثر، فقد يضلون ويهتدي الأقل، وبهذا أشار أمير المؤمنين حيث قال: «يا حارِ: الحقُّ لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تَعْرِفْ