التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين 118 وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين 119 وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون 120}

صفحة 2385 - الجزء 3

  كالإباحة والإرشاد والتهديد، إلا أنه إذا تجرد عن القرائن والدلائل لا بد أن يحمل على الأمر؛ لأنه حقيقته، وإن اقترن به دلالة فحينئذ يحمل على ما دلت الدلالة عليه، والخطاب قيل: للمؤمنين، وقيل: عام «مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيهِ»، يعني ذكر اسمه عند ذبحه دون الميتة وما ذبح وسمي عليه الأصنام، واسم اللَّه قيل: هو اسم اللَّه، وقيل: كل قول ذكر اللَّه فيه تعظيم كقوله: اللَّه، أو بذكر اللَّه، أو بذكر الرحمن كقوله: {قُلِ ادعُوا اللَّه أَوِ ادعُوا الرَّحْمَنَ}، وكقوله: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} «إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ» يعني إن كنتم مؤمنين ففرقوا بين الحلال والحرام، فكلوا مما حل دون ما حرم؛ لأن مَنْ أحَلَّ ما حُرِّمَ، أو حَرَّمَ ما أُحِلَّ يكفر «وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا» أي: ما الذي يمنعكم أن تأكلوا «مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيهِ» عند الذبح «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ» بين «مَا حَرَّمَ عَلَيكُمْ» قيل: هو ما ذكر في سورة المائدة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} وقيل: إن سورة المائدة نزلت بعد الأنعام بمدة، فلا يصح أن يقال: إنه فصّل، إلا أن يقال: إنه بَيَّنَ على لسان الرسول، ثم بعد ذلك نزل به القرآن، وقيل: ما فصله في عدة سور، في سورة الأنعام في قوله: {قُل لَّآ أَجِدُ} وفي قصة البحيرة ونحوها «إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» قيل: من الميتة والدم ولحم الخنزير إذا اضطر إليه من الجوع وخاف على نفسه حل أكله، عن الحسن وأبي علي وغيرهما «وَإنَّ كثِيرًا» من الناس «لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ» يضلون أنفسهم وغيرهم باتباع أهوائهم في التحليل والتحريم دون اتباع الأدلة والشريعة «بِغَيرِ عِلْمٍ» يعني أنهم لم يعتقدوا ذلك عن يقين وعلم «إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ» يعني يعلم السر والعلن. والمعتدي: من جاوز الحد في أمر اللَّه ونهيه وحلاله وحرامه «وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ» قيل: أراد الذنوب كلها، ونبه أن استسراره لا يخرجه من كونه إثمًا كما كانت الجاهلية ترى أن الزنا ما كان إعلانًا، وإذا اسْتُسِرَّ لم يكن إثمًا، عن الضحاك، وقيل: سره وعلانيته، عن قتادة والأصم، وقيل: قليله وكثيره، عن عطاء، وقيل: ما عمل وما نوى، عن مجاهد، وقيل: الظاهر ما حرم اللَّه في الكتاب، والباطن الربا، عن سعيد بن جبير، وقيل: ما ظهر تحريمه، وما فيه شبهة، وقيل: أفعال الجوارح وأفعال