التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين 118 وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين 119 وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون 120}

صفحة 2384 - الجزء 3

  ويقال: ما معنى (لا) في قوله: «وما لكم ألَّا»؟

  قلنا: فيه قولان، قيل: الحجة تقديره: أي: شيء لكم ألَّا تأكلوا، عن الزجاج وغيره، وقيل: إنه صلة، وتقديره: ما منعكم أن تأكلوا؛ لأن ما لك أن تفعل، وما لك لا تفعل بمعنى.

  · النزول: قيل: قال المشركون للمؤمنين: إنكم تزعمون أنكم تتبعون أمر اللَّه تعالى فما قَتَلَ اللَّه لكم أحق أن تأكلوا مما قتلتم بسكاكينكم، فنزلت الآية، عن ابن عباس.

  وقيل: إنه لما نزل تحريم الميتة كتب مجوس فارس إلى مشركي العرب أن محمدًا يزعم أنه متبع لأمر اللَّه تعالى، وما ذبح اللَّه بسكين من ذهب لا يأكلونه، وما ذبحوه يأكلونه، فكتب بذلك المشركون إلى أصحاب النبي ÷ فنزلت الآية، عن عكرمة.

  وقيل: كانوا يحرمون أصنافًا من النعم كالبحيرة، والسائبة ونحوها، ويحللون الميتة فنزلت الآية، وقيل لهم: أحِلُّوا ما أحل اللَّه، وحرموا ما حرم اللَّه.

  · النظم: يقال: كيف يتصل قوله: «فكلوا» بما قبله؟

  قلنا: قيل: يتصل بقوله: «وَتمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ»؛ لأن المراد به دينه، وما شرع من التحليل والتحريم، بَيَّنَ بعضًا من تفصيل تلك الجملة، عن أبي مسلم، وقيل: يتصل بقوله: «بالمهتدين» كأنه قيل: من الهداية أن يحل ما أحل اللَّه، ويُحَرّمَ ما حرم اللَّه، فكلوا ولا تتبعوا أهل الجاهلية، وقيل: يتصل بقوله: «إن تطع»؛ لأنهم سألوه أكل الميتة وعابوه في تحريمه.

  · المعنى: «فَكُلُوا» صيغته صيغة الأمر، والمراد به الإباحة، وصيغة الأمر يستعمل في أشياء