قوله تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون 122 وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون 123}
  وكذلك قال أبو علي وأبو مسلم، يقال: زين لهم أنفسهم على ما بيناه، «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا» أي: خلقناهم وجعلناهم كبراء عظماء بأن أنعمنا عليهم بالأموال والأولاد، وبقيناهم وأمهلناهم فصاروا مجرمين ماكرين، وما خلقناهم كذلك، وقيل: جعلناهم بالتكليف كذلك؛ لأنه يظهر أمورهم، «أكابر» أي: عظماء، وإنَّمَا خصهم؛ لأن الأصاغر أتْباعٌ لهم، ولأنهم الَّذِينَ يتعصون على الأنبياء والمؤمنين، وقيل: جعلناهم بالتمكين والجاه والمال أكابر ليشكروا النعم ويؤمنوا. «مُجْرِمِيهَا» أي: عصاة تلك القرية فلم يفعلوا ما [أمروا] به، بل أجرموا، ومكروا «لِيَمْكُرُوا فِيهَا» قيل: هي لام العاقبة، وتسمى لام الصيرورة، عن الزجاج كقوله: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} قال الشاعر:
  أَاُمّ سِمَاكٍ فَلاَ تَجْزَعِي ... فَلِلْموْتِ مَا تَلِدُ الوَالِدَهْ
  تقديره: مكناهم وجعلناهم كبراء، فكان عاقبة ذلك أن مكروا وأجرموا، وقيل: إنه بمعنى الاستفهام، الذي يتضمن معنى التوبيخ، أي: أليمكروا فيها؟، والمعنى ليشكروا لا ليمكروا ويكفروا، فحذف في الاستفهام، وذلك شائع في الكلام قال الشاعر:
  بسَبْعٍ رَمَيْنَ الْجَمْرَ أَمْ بِثَمَاَنْ
  وقيل: معناه لئلا يمكروا فمكروا، فحذف (لا) كقوله: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} حكى الوجهين شيخنا أبو حامد «وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ» أي: ما يضرون بذلك المكر إلا أنفسهم؛ لأن وبال ذلك يعود عليهم «وَمَا يَشْعُرُونَ» أي: ما يعلمون ما يعود عليهم من ضرر مكرهم، عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: وما يعلمون أن مكرهم يبطل، عن الأصم.