التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون 122 وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون 123}

صفحة 2391 - الجزء 3

  · المعنى: ثم ذكر تعالى مثل الفريقين، فقال سبحانه: «أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ» قيل: كافرًا فأحييناه بالإيمان، عن ابن عباس والحسن ومجاهد والأصم وأبي علي، فشبه الكفر بالموت، والإيمان بالحياة.

  ومتى قيل: كيف أحياه؟

  قلنا: قيل: بالتمكين والهداية، وقيل: بالألطاف، وقيل: أَوَمَنْ كان نطفة ميتة، ومن قبل كان ترابًا فأحييناه بأن جعلناه بشرًا سويًّا، عن أبي مسلم، كقوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} «وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا» قيل: القرآن، عن الحسن، وقيل: الإيمان الذي لطف له، وقيل: نور دلالات يهتدي بها إلى مصالحه فـ «يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ» قيل: يمضي بالحجج فيحتج بها، وهو المستبصر في دينه، المُعْتَقِد عن حجةٍ، دون الجاهل والمقلد، إذا ورد عليه حجة وقف وشكَّ واضطرب «كمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ» فشبهه بالمضي فيه، وقيل: المثل زيادة، وتقديره: كمن هو في الظلمات متحير، وقيل: تقديره: كمن مثله مثل مَنْ في الظلمات «لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا» يعني من الظلمة، قيل: لأنه لا يجد طريقًا، ولا يهتدي سبيلاً، كمن ضل في ظلمات الليل، وقيل: بل لا يخرج لمعصيته وإلفه الباطل، «كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» أي: كما زين للمؤمن إيمانه كذلك زين للكافرين عملهم، وقيل: زينوا لأنفسهم كما يقال: فلان معجب بنفسه، فَيُذْكرُ على ما لم يسم فاعله، وإن لم يكن هناك غيره، عن أبي مسلم.

  ومتى قيل: على القول الأول مَنْ زيَّنَ لهم؟

  قلنا: أما الإيمان فاللَّه تعالى زينه وحسنه بأن أمر به وحث عليه، ووعد الجنة من أتاه، وأوعد على تركه، وأما الكفر فزينه الغواة، قال الحسن: الشيطان وأنفسهم،