قوله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين 5}
  قلنا: ينبغي أن يكون الفعل مما يُتَقَرَّبُ به إليه، ثم يقصد به التقرب، فحينئذ يكون هو متقربا، وفعله عبادة، ثم المؤمن يقصد بالتقرب طلب المنزلة والثواب عنده، والفاسق يقصد طلب النجاة أو التخفيف، وجميع ذلك لا يصح إلا بعد معرفة المعبود، وهذا في الشرعيات التي هي ألطاف لا تكون عبادة إلا بالقصد، فأما العقليات، فقد يقع به قربة، وتستحق الثواب من غير قصد القربة كالنظر في معرفة اللَّه تعالى، ومعرفة صفاته؛ لأن كل ذلك يصح قبل معرفة القديم سبحانه، وإنما استحق القديم العبادة لقدْرته على أصول النعم، وفعله ذلك دون غيره.
  ومتى قيل: «إياك» خطاب مشاهد، وهو غير مشاهد؟
  قلنا: هو في حكم المشاهد؛ لكونه عالما قادرا عليه، رائيا له، سامعا لما يقوله.
  ومتى قيل: لم قيل: «إِيَّاكَ»، ولم يقتصر على كاف الخطاب؟
  قلنا: لأنه لو قدم اشتبه بكاف التشبيه، فكأن أريد تقديم اسمه فقال: «إِيَّاكَ»، وقيل: لأن فيه إثباتا ونفيا، إثبات العبادة له، ونفيها عن غيره.
  ومتى قيل: لم قدم العبادة على المعونة، وطلبُ المعونة على الماضي يستحيل؟
  قلنا: قيل: الواو للجمع، وقيل: سألوا المعونة على عبادة يستأنفونها، وقيل: هو خبر، أي: نطلب منك المعونة، وقيل: معناه: منك نطلب المعونة على حوائج الدنيا والآخرة.
  · الأحكام: الآية تدل على وجوب العبادة له؛ لأن تقديره: قولوا، فلو لم تجب لم يصح ذلك.
  وتدل على وجوب الإخلاص؛ لذلك قال: «إِيَّاكَ».
  وتدل. على وجوب الاستعانة والانقطاع إليه.
  ومتى قيل: فما المعونة من اللَّه تعالى؟
  قلنا: هو على ضربين: تمكين كالقدرة والآلة، وذلك قد فُعِلَ بجميع المكلفين،