قوله تعالى: {يامعشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين 130 ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون 131 ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون 132}
  «رُسُلٌ مِنْكُمْ» أي: بعث من الإنس رسولا، ثم أرسل هو إلى الجن رسولاً من الجن، عن ابن عباس، وقال مجاهد: الرسل من الإنس، والنُّذُرُ من الجن، وقيل: الرسل من الإنس إلا أنهم لما اجتمعوا غلب أحدهما على الآخر، كما يغلب المذكر على المؤنث، كقوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}، وقوله: {وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا} وإنما هو في سماء واحدة، وقيل: من المكلفين والمخلوقين فيكم، عن أبي علي، وقيل: كانت الرسل تبعث إلى الإنس وبعث نبينا، ÷ إلى الإنس والجن، عن الكلبي، وقيل: كانت الجن الَّذِينَ أتوا النبي ÷ رسلاً منه إلى الجن «يَقُصُّونَ» يتلون ويقرؤون «عَلَيكُمْ» آيات ربكم حججه، وقيل: الأدلة، وقيل: الوعد والوعيد، والمراد أنه أزاح العلة بإرسال الرسل.
  ومتى قيل: لِمَ لَمْ يكن في الجن رسول؟
  قلنا: لأن فيهم ضعفًا، فهم يعجزون عن تحملها وأدائها، وقيل: لأن الرسالة تتبع الأصلح، والتلبيس فيه أقل، وقيل: لأنه أبعد من الشبه، من حيث يعرفون أحواله.
  «وَيُنْذِرُونَكُمْ» يخوفونكم «لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا» يعني يوم القيامة «قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا» بالكفر والعصيان في حال التكليف «وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا» أي: تزين لهم بظاهرها حتى اغتروا بها «وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ» أي: اعترفوا على أنفسهم بالكفر «ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ» هذا يجري مجرى التعليل [أن] لم يكن يعذب اللَّه عباده وهو غافل عن الحجج «مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ» أي: بظلم منه على غفلة من غير تنبيه وتذكير، عن الفراء وأبي علي، وشاهده: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ١١٧}، وقيل: بظلم منهم حتى يبعث إليهم رسلاً يعرفونهم ويذكرونهم، وقيل: المراد بالظلم الشرك، وقيل: سائر المعاصي «وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ» قيل: جاهلون بالألطاف والشرائع لم يبعث إليهم رسولاً «وَلِكُلٍّ» أي: ولكل واحد من الفريقين وعامل بخير أو شر «دَرَجَاتٌ» قيل: درجات جزاء من أجل ما عملوا، وقيل: درجات في أعمالهم، والأول أن الدرجات في الجزاء، والثاني أنها في نفس العمل «وَمَا رَبُّكَ» يا محمد أو يا أيها السامع، أو يا أيها الإنسان «بِغَافِلٍ» ساهٍ «عَمَّا يَعْمَلُونَ» أي: لا يشذ عنهما، ولا عن مراتبهما شيء من [عَلْمِهِ]، بل يَعْلَمُهُ، ويجازي عليه.