التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين 133 إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين 134 قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون 135}

صفحة 2416 - الجزء 3

  قلنا: من عُبَّاد الوثن من توهم ذلك، وتوهم أنه ينفعه في صرف المكروه عنه جهلاً منه، وقيل: إنهم يعملون كأنهم يفوتونه؛ لتأخير العقاب، وطول الإمهال، وسلامة الأحوال، وقيل: تهديد وإن لم يقله أحد، «قُلْ» يا محمد «اعْمَلُوا» هذا وعيد بصيغة الأمر، والمراد اعملوا ما تعملون فإني أجازيكم «عَلَى مَكَانَتِكُمْ» قيل: على ناحيتكم، عن ابن عباس والحسن، وقيل: على حالتكم التي أنتم عليها من الكفر، وأقيموا فإني مجازيكم، وقيل: على تمكنكم، عن الزجاج، وقيل: على منازلكم، عن الكلبي، وقيل: اعملوا ما أمكنكم، وقيل: على مكانتكم أي: طريقتكم التي أنتم عليها، وهذا يعود إلى ما حكيناه، عن أبي علي، وقيل: اعملوا على أنكم ممكنون في هذه الدار مخرجون «إِنِّي عَامِلٌ» ما وعدتكم من البعث والجزاء عن أبي مسلم، وقيل: اعملوا ما شئتم فإني عامل ما أمرني به ربي، وقيل: اعملوا ما أمكنكم في أمري أعمل ما أمكنني في أمركم «فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ» قيل: فسوف تعلمون الحق من الباطل «مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ» أي: العاقبة المحمودة بالفوز والنجاة، وقيل: بالفتح والنصر في الدنيا «إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ»، قيل: لا يسعد عن عطاء، وقيل: لا يبقى في الثواب، عن عكرمة، وقيل: لا يفوز، عن الضحاك، وإنما ذكر الظالم لأنه أعم وأكثر في الفائدة؛ ولأنه إذا لم يفلح الظالم فالكافر أولى ألَّا يفلح.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه يجوز أن يقدر خلاف المعلوم؛ لأنه بين أنه قادر على أن يأتي بخلق، خلاف الجن والإنس، ولم يفعل.

  وتدل على أن وعده كوعيده، في أنه لا يجوز فيه الخلف، فيبطل قول المرجئة الَّذِينَ يجوزن الخلف في الوعيد.

  وتدل على كثرة رحمته في قبول التوبة من عظائم الذنوب كالكفر وغيره.