التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين 133 إن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين 134 قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من تكون له عاقبة الدار إنه لا يفلح الظالمون 135}

صفحة 2415 - الجزء 3

  قلنا: قيل: لما حث على طاعته بين أنه لم يأمر بها لحاجة؛ لأنه يتعالى عن النفع والضر، ولكن منافعها تعود إليهم بما لهم من الثواب والدرجات، عن أبي مسلم، وقيل: لما حكى كفرهم بَيَّنَ أن ذلك لا يضره، وطاعتهم لا تنفعه، وأنه برحمته تركهم مع ما هم عليه، عن الأصم، وقيل: لما أمر بطاعته بين أنه المستحق للطاعة والعبادة؛ لأنه الغني القادر على ما يشاء، فلرحمته دعاهم إلى عبادته لينالوا به الثواب الدائم، ذكره شيخنا أبو حامد.

  · المعنى: «وَرَبُّكَ» أي: وخالقك وسيدك «الْغَنِيُّ» عن أعمال عباده، فلا تنفعه طاعتهم، ولا تضره معصيتهم «ذُو الرَّحْمَةِ» أي: لرحمته يدعوهم إلى عبادته لينالوا به الثواب، وقيل: هو غني عن كل شيء فلا يتضرر بإهلاكهم، ولكن لا يهلكهم لرحمته بل يُحْسِنُ مع محسنهم، ويمهل مسيئهم، وقيل: غني عن أعمال المطيعين، ذو الرحمة على العاملين «إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ» قيل: يميتكم، وقيل: يهلككم «وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ» قيل: يخلق بعد هلاككم خلقًا غيركم يكونون خلفًا لكم «مَا يَشَاءُ» قيل: جنسًا سوى الإنس والجن، عن أبي مسلم قال: تدل على أنه أراد خلاف جنسهم، ولم يرد ذريتهم؛ لأنه يخبر عنهم بما دون (من)، وقيل: يهلككم، ويأتي بأولادكم، كما أهلك آباءكم، وأتى بِكُمْ بعدهم، وقيل: مثل الصحابة والتابعين عن عطاء، وقيل: قومًا أطوع منكم عن ابن عباس كأنه قال: هو يقدر على خلق قوم أطوع منكم، ومع هذا اختاركم، فلا تهلكوا أنفسكم «كَمَا أَنْشَأَكُمْ» خلقكم «مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ» من نسل قوم آخرين، أي: يخلق قرنًا بعد قرن، وقيل: بعد أهل سفينة نوح عن مقاتل، «إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ» أي: الذي توعدن من أمر الساعة لجاءٍ عن الحسن؛ لأنهم بَعْدُ كانوا يكذبون بالنشأة الثانية، وقيل: توعدون من جزاء الجنة أو النار «وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ» أي: فائتين سابقين، فإنه يدرككم حيث كنتم.

  ومتى قيل: من الذي يقول: إنه يُعْجِزُ حتى قيل هذا القول؟