التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون 136}

صفحة 2419 - الجزء 3

  وقيل: كانوا إذا هلك الذي لأوثانهم أخذوا بدله مما لله، ولا يفعلون مثل ذلك فيما لله، عن الحسن والسدي.

  وقيل: كانوا يصرفون بعض ما جعلوه لله على أوثانهم، ولا يفعلون مثل ذلك فيما جعلوه للأوثان، عن أبي علي.

  «سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ» أي: بئس الحكم حكمهم هذا.

  · النزول: عن ابن عباس كانوا يجعلون الطعام نَصِيبَيْنِ نصيبًا لله، ونصيبًا للأوثان، فإذا هبت الريح بشيء مما للأصنام إلى الذي جعلوه لله ردوه إلى نصيب الأوثان، وإن هبت الريح بشيء من الذي جعلوه لله إلى الذي جعلوه للأصنام لم يردوا عليه من نصيب الأصنام، وقالوا: إن اللَّه غني عنه، ثم ما جعلوه لله يطعمونه المساكين، ولا يأكلون منه، وما يجعلونه للأوثان يدفعونه إلى السدنة، ففي ذلك نزلت الآية.

  وقال المفسرون: كانوا يجعلون سائر أموالهم نصيبين نصيبًا لله، ونصيبًا للأوثان، فما كان للأصنام أُنْفِقَ عليها، وما كان لله أُطْعِمَ الضيفان والمساكين، ولا يأكلون من ذلك كله، فإن سقط من نصيب الأوثان في نصيب اللَّه شيء ردوه، وقالوا: إنه فقير، وإن سقط من نصيب اللَّه في نصيب الأوثان شيء لم يردوه، وإن هلك الذي للصنم ردوا نصيب اللَّه عليهم، وقالوا: لا نِدَّ لآلهتنا. فإذا احتاجوا أخذوا ما لله، ولم يأخذوا ما للأوثان.

  · الأحكام: تدل الآية على أن ما بَيَّنَ في الآية من أحكام الجاهلية فِعْلُهُمْ، وليس بخلق لله ولا بِحُكْمِهِ؛ لاستحالة أن يخلق ثم يعيب خلقه، أو يحكم ثم يقول: «سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ».