التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين 140}

صفحة 2431 - الجزء 3

  · المعنى: ثم جمع تعالى بين الفريقين الَّذِينَ تقدم ذكرهما: أحدهما الَّذِينَ قتلوا الأولاد، والثاني: الَّذِينَ حرموا الحلال، وبين ما هما عليه من الضلال، فقال سبحانه: «قَدْ خَسِرَ» يعني خسروا أنفسهم بأن أهلكوها باستيجاب عذاب الأبد لها «الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا» يعني جهلاً «بِغَيرِ عِلْمٍ» تأكيدًا لجهلهم «وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ» قيل: الحرث الذي زعموا أنه حِجْرٌ، وقيلً: الأنعام عن الحسن، واعترض علي بن عيسى وقال: هو محرم حتى يرد سمع، فما [قاله الحسن] غير صحيح، وهذا الاعتراض فاسد؛ لأن الذبائح تحتاج إلى سمع، فأما الركوب إذا ما قام لمصالحها، وأكلها بعد الذبائح مباح، وبعد، فإنهم أضافوا التحريم والتحليل على ما اعتقدوه إلى الله تعالى، وقيل: إلى السائبة والوصيلة والحام «قَدْ ضَلُّوا» أي: ذهبوا عن طريق الحق، وحكموا بحكم الشيطان «وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» إلى شيء من الدين والخير، وقيل: قوله: «وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ» تأكيد لضلالهم، عن أبي مسلم، وقيل: لأنه قد يضل عن أشياء لا يكون مذمومًا بما يقوله، وما كانوا مهتدين ذمًا؛ لأنه لا يحتمل غير ذلك، وقيل: ما كانوا بعبادتهم مهتدين؛ لأنهم وإن قصدوا به العبادة، فلن يتقبل منهم عن الأصم، وقيل: ضلوا في هذا، وما كانوا مهتدين قبل ذلك في شيء.

  · الأحكام: تدل الآية على أن المعارف مكتسبة؛ لذلك قال: «سَفَهًا بِغَيرِ عِلْمٍ».

  وتدل على أن ما حرموا، وقتلوا ليس بخلق اللَّه؛ إذ لو كان خلقًا له لما نفى عن نفسه بقوله: إنهم يفترون على اللَّه الكذب، بإضافة ذلك إليهم، وأي إضافة أعظم من خلقه.

  وتدل على أنه لا يعاقب الطفل؛ لأنه ذمهم على قتله بغير جرم، فكيف يجوز أن يعاقبه عذاب الأبد.

  وتدل أن القتل ليس بخلق له، بل هو فعلهم؛ لأنه ذكر أنه سفه، وعندهم أن