التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62}

صفحة 413 - الجزء 1

  معك إلى يوم القيامة، «بِاللَّهِ» أي بتوحيده، وصفاته وعدله «وَالْيوْمِ الآخِرِ» يعني يوم القيامة والبعث، سمي آخرًا لتأخره عن الدنيا «وَعَمِلَ صالحا» يعني عمل ما أمره اللَّه به من الطاعات، واجتناب المعاصي؛ وإنما لم يذكر ترك المعاصي، لأن تركها من الأعمال الصالحة «فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ» أي جزاؤهم وثوابهم «عِندَ رَبّهِمْ» أي معدة عنده «وَلاَ خَوْفٌ عَلَيهِمْ» فيما قدموا عليه من عذاب يوم القيامة «وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ»: ولا يحزنون على ما خلفوا يوم القيامة.

  · الأحكام: الآية تدل على أن عذاب الكفر يزول بالإيمان والعمل الصالح، وفيه إجماع.

  وتدل على أن استحقاق الثواب والجنة بالإيمان والعمل الصالح، خلاف ما تقوله المرجئة. ولا يقال: لِمَ لم تذكر التوبة؛ لأن ذلك داخل في الإيمان والعمل الصالح.

  وتدل على أن المؤمن لا يناله خوف ولا حزن يوم القيامة خلاف ما يقوله قوم.

  ويقال: إذا كان العمل الصالح يدخل تحت الإيمان فما الفائدة في ذكره؟

  قلنا: لأنه ذكر إيمانا مقيدًا، فصح ضم العمل الصالح إليه، بل لا بد من ذلك؛ لأنه عند التقييد يجري على طريقة اللغة، وقيل: ذكر ذلك تأكيدًا، وعطفه عليه لا يوجب خروجه منه، كقوله: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} وكقوله: {فَاكِهَةٌ وَنَخلٌ وَرُمَّانٌ}.

  فإن قيل: هل يجوز ما يروى عن ابن عباس أنه منسوخ بقوله: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ

  قلنا: لا يجوز ذلك؛ لأن هذا وعد من اللَّه للمحسنين بالثواب، ولا يجوز نسخه، ولأنه لا تنافي بين الاثنين، ويبعد أن يصح ذلك عن ابن عباس، فيحمل على أنه غلط عليه غير صحيح عنه.