التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون 62}

صفحة 412 - الجزء 1

  ويُقال: ما خبر (إنَّ)، وما العائد إلى اسمها؟

  قلنا: الجملة، وهي «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ ...» إلى آخر الآية، والعائد إلى اسمها محذوف، كأنه قال: من آمن منهم بِاللَّهِ.

  ويقال: لم قال: «عَمِلَ صَالحًا» على لفظ التوحيد، ثم قال: «فَلَهُمْ»؟

  قلنا: لأن لفظة (مَنْ) لفظ الواحد، ومعناه معنى الجمع، فمرة يحمل على اللفظ، ومرة على المعنى.

  · المعنى: لما تقدم كفر أهل الكتاب، وما أعد لهم من عذابه بَيَّنَ صفة المؤمنين، وما أعد لهم من ثوابه، تنبيهًا على أن استحقاق الثواب بالإيمان والعمل فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا} يعني صدقوا اللَّه ورسوله، واختلفوا من هم؟ فقيل: قوم آمنوا بعيسى، وانتظروا خروج محمد، وقيل: هم طلاب الدين كَقُسٍّ وورقة وسلمان، وقيل: هم مؤمنو الأمم الماضية، وقيل: هم المؤمنون من هذه الأمة، وقيل: المراد المنافقون آمنوا ظاهرًا، وقيل: هم من آمن بالكتب المتقدمة «وَالَّذِينَ هَادُوا» يعني اليهود، عن ابن عباس وجماعة من أهل العلم «وَالنَّصَارَى» من ادعى أنه على دين عيسى «وَالصَّابئينَ» قيل: طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم كذبائح أهل الكتاب، عن السدي وأبي العالية، وقيل: لا دين لهم وليسوا من أهل الكتاب، عن ابن عباس، وقيل: يقرون بِاللَّهِ ويعبدون الملائكة، ويقرؤون الزبور، ويُصَلُّون، أخذوا من كل دين شيئًا، عن قتادة ومقاتل. وقيل: قوم بين اليهود والنصارى، عن الكلبي. وقيل: قوم بادوا، عن عبد العزيز بن يحيى، وإنما اشتبه مذهبهم لأنهم يدينون بالكتمان «مَنْ آمَنَ» يحتمل أن يرجع إلى اليهود والنصارى والصابين، ويحتمل أن يرجع إلى جميع من تقدم، ثم اختلفوا في قوله: «مَنْ آمَنَ» مع قوله: {الَّذِينَ ءَامَنُوا} فقيل: «مَنْ آمَنَ» أي ثبت على إيمانه في مستقبل عمره، كما آمن في الماضي؛ لأن الثواب يحصل بمجموع الأمرين، وقيل: آمنوا بموسى وعيسى، ثم آمنوا بمحمد، وقيل: آمنوا بسائر الكتب، ثم آمنوا بالقرآن، وقيل: آمن في الباطن كما آمن في الظاهر، وقيل: فيه إضمار، أي من آمن