التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون 148 قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين 149 قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون 150}

صفحة 2457 - الجزء 4

  اختص بهذا الاسم القصد إلى بيت اللَّه - تعالى - للنسك، والحج: الحاجُّ، وحاججت فلانًا فحججته، أي: غلبته بالحجج، وسمَّى الحُجّة حجة؛ لأنه يقصد بها تصحيح الأحكام البالغة البيان الكافي، ومنه: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} والبليغ أن يبلغ بلسانه كُنْهَ ما في ضميره، وبالغ مبالغة: اجتهد في الأمر، وتوصف الحجة بأنها بالغة، قيل: لأنها تبلغ المراد في صحة الأمر في النفس، وقيل: لأنه يبلغ المعنى بالنفس على أعلى ما يكون من البلوغ. والعدول: الميل عن الشيء، يقال: عدلت عن الطريق عدولاً، ومنه: {بَل هُم قَومٌ يَعدِلُونَ} وعدَّلْتُهُ فاعتدل؛ أي: قَوَّمْتُهُ فاستقام كأنه مال إلى الاستقامة.

  · الإعراب: «فتخرجوه لنا» نصب لأنه جواب بالفاء للاستفهام لقوله: «هل عندكم».

  (هَلُمّ) يتعدى مرة ولا يتعدى أخرى، وإنما كان كذلك؛ لأنه يكون مرة بمعنى هاتوا، ومرة بمعنى تعالوا، نحو: {هَلُمَّ إِلينا} نظيره: عليك زيدًا، فهذا يتعدى إلى واحد، وعَلَيَّ زيدا يتعدى إلى مفعولين، وهلم: بمعنى هاك، ثم اختلفوا فمنهم من يستعمل ذلك في الواحد والجماعة والذكر والأنثى، وهو لغة أهل العالية، فأما أهل السافلة فتقول: هلم يا رجل، هلما يا رجلان، هلموا يا رجال، يجرونه مجرى الفعل كقولك: رد ردًا وردوا، ويقولون للمرأة: هلمي وهَلْمُمْنَ.

  · النزول: قيل: إن المشركين قالوا: لو كره اللَّه ما نحن عليه من الدين لنَقَلَنا عنه، فكذبهم اللَّه تعالى، وأنزل هذه الآية، عن الحسن حكاه شيخنا أبو حامد.

  · المعنى: لما تقدم ذكر الرد على المشركين في اعتقاداتهم الفاسدة، ورد عليهم قولهم: أنّما أتوا بمشيئة اللَّه، فقال سبحانه: «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا» أي: يقول لك يا محمد المشركون «لَوْ شَاءَ اللَّهُ» أراد اللَّه «مَا أَشْرَكنَا» يعني لو كَرِهَ شِرْكَنا ما أشركنا، فلما أَشْرَكْنَا دل أنه يريده «وَلَا آبَاؤُنَا» أي: ولو لم يرد شِرْكَ آبائنا لما أشركوا «وَلاَ حَرَّمْنَا»