قوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون 148 قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين 149 قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون 150}
  وثالثها: أنه بيّن أنهم في ذلك كذّبوا الأنبياء، ولو كان مذاهب الأنبياء في المشيئة ما تقوله الْمُجْبِرَة أنه يشاء كل كُفْرٍ لما كان ذلك تكذيبًا لهم، بل كان تصديقًا، فلما كان تكذيبًا دل أن الأنبياء دَعَوْا إلى خلاف قولهم، وهو قول أهل العدل.
  ورابعها: أنه قال: «حَتَّى ذَاقُوا بَأْسنا» والعذاب لا يستحق إلا بباطل.
  وخامسها: قوله: «قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ» ومثل هذا نزل في المذاهب الباطلة، كقوله: {قُل هاتُوا بُرهانكُم}.
  وسادسها: قوله: «إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ» بين أن ما قالوه ابتغوا فيه الظن لا العلم، وذلك الظن ما يزعمه أهل الجبر أنه لو لم يشأ الكفر لَمَنَعَ منه، ولو استدلوا وعلموا أن ذلك يؤدي إلى بطلان التكليف، وأن التكليف لا يصح إلا مع الاختيار ما ابتغوا هذه الشبهة.
  وسابعها: قوله: «وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ» أي: تكذبون فكذبهم في مقالتهم، فأما دلالتها في مسألة المخلوق؛ فلأنه لو خلقها لشاءها، فلما بين أنه لا يشاء الكفر دل أنه ليس بخلق له، ولأنه أضاف الشرك والتحريم إليهم.
  وأما دلالتها في الاستطاعة فعندهم أن القدرة موجبة للفعل، فإذا خلق العلّة الموجبة للكفر فلا بد أن يريده، فلما بقي مشتبهًا دلّ أنه لم يوجب ذلك.
  وتدل الآية على صحة الحجاجِ في الدين، وتدلُّ على أن كل قول بغير علم باطلٌ، فيوجب بطلان التقليد، وتدلُّ على أن المعارف مكتسبة، وتدل على أن الحجة البالغة لله تعالى، وذلك يصح على مذهب أهل العدل أنه - تعالى - كلّف وأزاح العلّة، وأعطى القدرة والآلة وخيّر وبعث الرسل، ولم يبق من جهته شيء إلا فعله، فأُتيَ الكافر في كفره من جهته، فأما على مذهب الْمُجْبِرَة فالحجة عليه؛ لأنه خلق الكفر، ومنع من الإيمان، وخلق القدرة الموجبة للكفر، ولم يخلق قدرة الإيمان، وكلّف ما لا يطاق، وترك ما يخلقه هو، وشاء الكفر، ولم يشأ الإيمان، وكل ذلك يبيّن فساد