قوله تعالى: {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون 148 قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين 149 قل هلم شهداءكم الذين يشهدون أن الله حرم هذا فإن شهدوا فلا تشهد معهم ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون 150}
  أحضروا شهداءكم على ما ادعيتم «الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا» وقيل: أحضروا حجتكم وبراهينكم.
  ومتى قيل: كيف دُعُوا إلى شهادة لا تقبل؟
  قلنا: فيه قولان:
  الأول: لأنهم لم يشهدوا على الوجه الذي دعوا، دعوا أن يشهدوا ببينة وحجة، عن أبي علي.
  الثاني: شهودا من غيركم ولم يجدوا ذلك في معنى قول الحسن؛ لأنه قال: ولا تجدون من يشهد لهم.
  «فَإِنْ شَهِدُوا» يعني فإن حضر هَؤُلَاءِ، ولم يشهد غيرهم فلا تشهد معهم على ذلك، قيل: أحبوا أن يشهد محمد لهم بتحريم السائبة والبحيرة ونحوها، فنهاه اللَّه عن ذلك، وقيل: لا شاهد لهم إلا رؤساؤهم، وعلماؤهم، وهم كذبة «فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ» وهذا إظهار لبطلان مذهبهم، وإلا فمن لا شاهد له لا يؤمر بإحضار شاهده، ولأن كل من كان يشهد كان لا تقبل شهادته مع تكذيب اللَّه - تعالى - إياهم «وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا» أي: بالقرآن «وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ» قيل: يجعلون له عدلاً، وهو المثل، عن أبي مسلم، وقيل: يشبهون بخالقهم أحجارًا لا تنفع ولا تضر، عن الأصم.
  · الأحكام: تدل الآية على بطلان مذهب الْمُجْبِرَة في الإرادة والمخلوق والاستطاعة.
  أما دلالتها على الإرادة فمن وجوه:
  أولها: أنه - تعالى - ذكر هذه المقالة عن الكفار على سبيل الإنكار.
  وثانيها: أنهم احتجوا لشركهم بالمشيئة كما تقوله الْمُجْبِرَة.