التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون 4 فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين 5}

صفحة 2498 - الجزء 4

  بأولئك، عن أبي مسلم، ويحتمل لينذرهم ما نزل بأولئك أن ينزل بهم، وقيل: يتصل بقوله: «قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» يعني ما أقل تذكركم، ووعظ اللَّه بما نزل بمن قبلكم من العذاب، وأخذهم في حال أمن.

  · المعنى: «وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ» أي: من أهل قرية، عن أبي علي، وقيل: أراد بالقرية القرية وما فيها «أَهْلَكْنَاهَا» قيل بعذاب الاستئصال «فَجَاءَهَا بَأْسُنَا» أي: عذابنا، واختلفوا في الهلاك والبأس قيل: هما نوعان من العذاب، وقيل هما واحد، ثم اختلفوا فقيل: حكمنا عليهم بالهلاك فجاءهم بأسنا، وقيل: فجاءهم بأسنا: تفصيل العذاب، وقيل: أهلكناها، وجاءها بأسنا، وقيل: أهلكنا بإرسال الملائكة، فجاءهم العذاب «بَيَاتًا» أي: ليلاً «أَوْ هُمْ قَائِلُونَ» أي: في وقت القائلة، وهو نصف النهار، عن الحسن، وإنما خص الوقتين لأنه وقت راحة، فالأخذ بالشدة فيه أعظم في العقوبة «فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ» أي: دعاءهم. وقيل: من كان دعواهم المذاهب الفاسدة «إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا» أي: عذابنا «إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ» على أنفسنا بما اعتقدنا من المذاهب الفاسدة، وما عملنا من الأعمال القبيحة، وقيل: ظلمنا المسلمين في بعضهم بالباطل، وغصب أموالهم وسيئ القول فيهم، وإنما قالوا هذا حال معاينة البأس، والعلم بأنه نازل بهم.

  · الأحكام: تدل الآية على التحذير من تكذيب اللَّه ورسوله وأن ينزل بهم [ما نزل] بأولئك القوم في وقت الأمن والراحة، وهو الليل كما فعل بقوم لوط، وفي وقت القائلة كما نزل بقوم شعيب، فإنه أتاهم نار شديدة في وقت القائلة، فأهلكتهم.

  وتدل على أن الظلم فعلهم لذلك اعترفوا به عند معاينة البأس، فيبطل مذهب الْمُجْبِرَة في المخلوق والاستطاعة.

  وتدل على أن الاعتراف والتوبة عند المعاينة لا تنفع.